السلامة أن تبقي الشيء على الفطرة السليمة التي خلقه الله عليها. والقلب السليم سالم من الدنس والشرك، على المنهج الرباني. القلبُ المليءُ بالتوحيد، الناصح لله في خَلْقه. قال عليه الصلاة والسلام: (إن في الجسد مُضغةٌ إذا صلُحت صلُح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).
بما أننا مقبلين على شهر رمضان المبارك، امتحن قلبك. تفقده في ثلاث مواضع: خشوع وطمأنينة وأنس في الصلاة وتلاوة القرآن والذكر. قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾. وليكن شهر رمضان بداية لهدايتك إلى الصراط المستقيم بقية عمرك. جدّد قلبك بالتوبة والاستغفار، وجدّد إيمانك بشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان يَبلى في القلوبِ فجددوا إيمانكم، قيل يا رسول الله وكيف نُجدد إيماننا، قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله).
أصلح قلبك واغسل روحك المثقلة بما أفسدته شهور السنة، فسلامة الجوارح من سلامة القلب. أحسن لأهلك ومعارفك، ولا تحمل في قلبك بغضاً وحسداً تجاههم. رتبّ أولياتك واختر صحبتك التي تعينك على الطاعات. إملأ قلبك بالإيمان وذكُرُ الله لتحظى بالطمأنينة والراحة والبركة. لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
إن خير الزاد التقوى. فاتق الله ماستطعت. اعرف الله خير المعرفة، وصاحب كتابه والتزم بعباداته، وسترى كيف سيكون أثره على قلبك وحياتك وعلاقاتك مع الناس. استعن بالله ولا تعجز، جاهد ولا تيأس. فالتيسير والتدبير والتوفيق من الله عز وجل. وعلى نياتكم ترزقون، فعلى قدر النوايا تكون العطايا. قف ببابه واستشعر اتساع رحمته وعظمة عطاءه. استثمر هذه الأيام المعدودات في الأعمال الصالحة وتجديد النيّات وإصلاح النفس لتكون على الصراط المستقيم. إسال الله المعطي التوفيق بالطاعات والبركة في الوقت. ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾.
الدنيا فانية ولا حال يدوم. أعمارنا قصيرة، فلا تشغلها في غير طاعة الله. حافظ على علاقاتاك الاجتماعية ولا تتدخل في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ في حياة الآخرين، والسعي في خلق العداوات والمشاجرات وإفشاء الأسرار أو نشر الاشاعات. فالإنسان مسؤول أمام الله عن كل كلمة يقولها ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾،﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حُسن إسلام المرء ترْكُه ما لا يعنيه). لذلك أترك أثراً جميلاً وعملاً صالحاً، واطلب من ربك المعطي حسن الخاتمة.
وليكن شعارنا الليلة قوله تعالى: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ﴾. فلنتسابق ونتنافس لنيل رضا الرحمن الرحيم وجنة النعيم. لنسعى في تذكير بعضنا إلى فعل الخيرات والتقرّب إلى الله. بارك الله لنا ولكم شهره الفضيل وأعاننا على صيامه وقيامه. ولتكن الصدقة برهان على صدق الإيمان وطهارة القلب وتزكية النفس.
آخر البيالة: اللهم سلامة القلب وطيب النفس وحسن الخُلق. يارزاق ياكريم ارزقنا صدق الإقبال إليك، وقلباً متعلقاً بطاعتك، واجعلنا خير لأنفسنا وللأخرين، محبين معطاءين متفهمين متقبلين. ربِّ، أن يأتي رمضان وليس بقلوبنا رجاء إلا وأتى، ولا حزن إلا وانتهى، والجبر ثم الجبر يالله. اللهم يامقلّب القلوب، ثبّت قلوبنا على دينك. ويامصرف القلوب، صرّف قلوبنا على طاعتك. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وقنا عذاب النار.