Monday, August 27, 2018

نأكل مما نزرع


تربيت في بيت ماخلا فيه الحوش من النخل وأشجار المنجا واللوز  والتوت والكنار. كنا نجمع  المحصول بنفسنا، وماخلت سفرتنا منها. وكان لنا مزرعة، أتذكر كنا نزرع ونحصد محاصيل البطاط والبصل والجزر والكوسا والباذنجان والزهرة والملفوف والفراولة والتوت والكنار، وربينا فيها الخرفان والبقر والخيل والدجاج والأرانب والحمام وخلية النحل. عشنا فيها ذكريات ممتعة من حلب البقر وجمع البيض واللعب مع الأرانب والخرفان، ومغامرات مع البقرة السودة المجنونة. لمتنا الحلوة عالعشا من خير المزرعة مع خبز أيراني طازج من يد مزارعنا محمد.
وقام زوجي بزراعة حديقة صغيرة وبناء بيت للدجاج، وعيالي لونوا بيت الدجاج وسور الحديقة. كل يوم المغرب يوزعون على نفسهم المهام: مهمة غلا سقي الزرع من طماط وباذنجان وفراولة، ومهمة شيخة جمع البيض، ومهمة علي جمع المحصول. وكل صباح جمعه نجمع الطماطم والبيض لطبخ ألذ بيض وطماط. وبهالطريقة تعلموا شلون تنمو المحاصيل وعززنا فيهم الوعي بأنماط الحياة الصحية والاستمتاع بلذة مانزرعه ونحصده بنفسنا. واشترك زوجي في برنامج بنك التنمية (مزرعتك في بيتك)، حيث يقدم البنك  التمويل اللازم لبناء البيوت المحمية، والدعم الفني والدورات التدريبية، وتوفير الشتلات.
وبعد ماباع الوالد مزرعتنا، أقضي مع عيالي يوم عائلي تثقيفي وممتع في المزارع القطرية، للتواصل مع الطبيعة واكتشاف خيرات البلد، وكسب خبرات ومهارات مهمة وخلق ذكريات عائلية جميلة. وعندما بدأت بكتابة هذا المقال، عرفت بوجود مبادرة (مروج قطر) لتنشيط السياحة الزراعية في قطر. مهمتها نشر ثقافة الزراعة وزيادة المساحات الخضرة عن طريق تشجير المنازل والمخيمات الشتوية والعزب وتجميل الشوارع. لما لها من فوائد مناخية وبيئية واقتصادية وطبية وإضافة رونق جمالي على البيئة.
وهذه السياحة لاتقتصر على الزيارة والاستمتاع بالمساحات الخضراء فقط، حيث تسعى إلى تثقيف الأطفال وتوعيتهم بأساسيات الزراعة وعلم النباتات والحيوانات، عن طريق الأنشطة التعليمية الممتعة التي تثير اهتمامهم وتنمي مهاراتهم في الجانبين الزراعي والحيواني، وتمنحهم الفرصة لإطعام الحيوانات والتعامل معها بشكل مباشر. وهذه الزيارات لها مردود اقتصادي على المزرعة عن طريق شراء منتجاتها من محاصيل حيوانية وزراعية. وقد قامت عدد من هذه المزارع بإنشاء مطعم يقدم أفضل الأطباق الطازجة بما توفره من منتجات. ومن المزارع المشاركة في هذه المبادرة وقمنا بزيارة عدد منها: مزرعة «سدرة» بمنطقة الشمال، ومزرعة «بلدنا» بالخور، المزرعة العالمية بأم صلال ومزرعة السليطين بأم صلال علي.
واتطلع لزيارة حديقة القرآن النباتية ومعسكر برنامج لكل ربيع زهرة الكائن بمنطقة راس مطبخ في الخور، للتعرف على برامجهم التعليمية في علم النبات والتنوع البيئي والبيولوجي، وأنشطتهم المتنوعة الساعية للحفاظ على التراث واكتساب المعرفة بالحياة الفطرية في دولة قطر وإبراز فوائدها وتعزيز الوعي الزراعي للطلاب في قطر.
ومن قبل الحصار، سعت وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة البلدية والبيئة بدعم وتعزيز المنتجات القطرية من خلال إنشاء الساحات وإقامة المهرجانات والفعاليات بهدف إلى خلق منصات تسويقية محلية للمنتجات الزراعية والحيوانية والاستهلاكية القطرية، بالإضافة إلى إبرام شراكة تتيح الفرصة للشركات الوطنية الناشئة لعرض وتسويق منتجاتها الغذائية والاستهلاكية في أكبر المتاجر الاستهلاكية. وكانت لي تجربة جميلة في زيارة ساحة المزروعة في أم صلال علي مع أبنائي، قمنا باختيار الخضراوات والأسماك والغنم وشتلات الزهور ونباتات الزينة. وسوق التربة للمزارعين داخل حرم المدينة التعليمية.
ومن أهم الفعاليات في هذا المجال فعالية "الغذاء الصحي"، تحت شعار "شباب واعٍ .. لصحة أفضل" والتي هدفت إلى نشر الثقافة الغذائية وأهميتها على صحة المجتمع. وسعت الوزارة إلى دعم الزراعة العضوية عن طريق الاستعانة بالخبراء والمتخصصين للتوعية بهذا النوع من الزراعة وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي من بذور وشتلات غير معدلة جينياً وأسمدة طبيعية. لما تمثله الأغذية العضوية من منتجات سليمة وخالية من المبيدات الحشرية والمواد الكيميائية الحافظة. وتعتبر الزراعة العضوية من أكثر العوامل المساعدة في تقليل تلوث البيئة والحفاظ على التربة وتعزز الإنتاج المستدام.
ومن بعد الحصار، ظهر الاقتصاد القطري قوي نتيجة للاستثمارات المدروسة محلياً وعالمياً، وظهر التلاحم الوطني وإنتماء الشعب القطري والمقيم، الذي أرسل رسالة تضامن وولاء من بينها شراء المنتج الوطني مما حفز الاستثمار لافتتاح المزيد من المصانع والمزارع لتلبية احتياجات السوق المحلي من أجل الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي ومن ثم الانتقال لمرحلة التصدير للخارج.
ولقد جربت عدد من المنتجات القطرية العضوية من مزرعة (Agrico) ومزرعة الصفوة، حيث يمكن شراء المنتجات من المساحات الزراعية و من أكبر المتاجر الاستهلاكية. فلنا جميعاً ثقة كبيرة بالمنتج الزراعي المحلي، لما تميز به من جودة وسلامة من الكيماويات وسعر.
ومن بعد الحصار، ظهر الاقتصاد القطري قوي نتيجة للاستثمارات المدروسة محلياً وعالمياً، وظهر النلاحم الوطني وإنتماء الشعب القطري والمقيم، الذي أرسل رسالة تضامن وولاء من بينها شراء المنتج الوطني مما حفز الاستثمار لافتتاح المزيد من المصانع والمزارع لتلبية احتياجات السوق المحلي من أجل الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي ومن ثم الانتقال لمرحلة التصدير للخارج.
وقد أطلقت حملة «صحتك أولاً» مشروع البيوت الخضراء منذ سنوات وبالتعاون مع وزارة التعليم لتوعية طلاب المدارس بأهمية الاهتمام بالصحة، من خلال تناول الخضراوات والفواكه الطازجة وممارسة الأنشطة البدنية، وبأهمية الاستدامة والحفاظ على البيئة وتعزيز الأمن الغذائي، سعياً إلى تحقيق أهداف رؤية (قطر الوطنية 2030).
فمشروع البيوت الخضراء في المدارس، مشروع تعليمي وتربوي، عبارة عن وحدات إنتاجية تجمع بين العلم النظري والمعرفة العملية التطبيقية. حيث تم استغلال مساحة كبيرة من المدرسة لزراعة الخضراوات والفواكه عالية الجودة وخالية من الأسمدة الكيماوية. وإدراجها في وجبات الطلاب اليومية مما أكسبها قيمة غذائية صحية. كما أتاحت لهم الفرصة في المشاركة الفعلية في الزراعة وتطويرها عبر دمج التكنولوجيا مع العمليات الزراعية، وتنمية قدراتهم الابتكارية والإبداعية في مجال التنمية البيئية، وتشجيعها عبر المشاركة بمشاريع تهدف إلى التغلب على ظروف المناخ الحار في دولة قطر، واكسابهم مهارات ومعارف حياتية قيمة تساعد على زيادة الوعي حول قضايا البيئة والصحة وطرق الزراعة المختلفة وأنواع الخضراوات وفوائدها.
وسعت حملة صحتك إلى تزويد الأسواق المحلية بمنتجات "خير قطرنا" من الخضروات الورقية والجذرية والبقوليات التي يزرعها طلاب المدارس مساهمة منها في رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من إنتاج الخضروات وتعزيز المشاركة المجتمعية وإنشاء مجتمعات تتمتع بالصحة والنشاط. ويعود ريع منتجات "خير قطرنا" لتطوير البيوت الخضراء.
وتعلمت من الوالد إعادة استغلال مياه الدش في زراعة وتشجير المنطقة، وإمكانية تطبيق هذه الطريقة في المساجد بإعادة استغلال مياه الوضوء في زراعة وتشجير المناطق المحيطة بالمسجد، مما يوفر قدراً هائلاً من المياه المهدره. كما يمكن أن تكون هذه الأشجار من النخيل للاستفادة من رطبها في الأعمال الخيرية.

أخر البيالة: تمنيت لو كان هذا الدعم الذي تقدمه وزارة الاقتصاد ووزارة البلدية والبيئة موجود من أكثر من عشرين سنة، علشان تظل مزرعة الوالد موجودة نقضي فيها مع عيالنا مغامرات الراعي وخرفانه، ومغامرات المزارع وخضراواته. وفي ليالي الربيع، نتجمع حول نار الحطب نحازيهم ذكريات طفولتنا، ونفرش لهم من خير مزروعتنا.