انشغلنا بمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهيرها،
واضحت هذه المواقع ملاذاً لمختلف فئات المجتمع. وتنوع محتواها مابين إخبارية
وترويجية وترفيهية وغيرها، مما شجعتنا بالانغماس في مشاهدتها لساعات وطغت أحداثها
في حواراتنا اليومية. تسللت إلينا هذه الوسائل الافتراضية لتستبدل لقائاتنا
الواقعية ومكالمتنا الصوتية، حيث يقوم العديد منهم بنقل تفاصيل يومه وسفراته
ولقائاته مع أهله وأصدقائه، وعرض ما لديه من كماليات خلال هذه الوسائل، وصرنا من
خلالها نعرف أخبارهم ونتلقى الدعوات لمناسباتهم.
قال تعالى في سورة الحديد -20- (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ
وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ
وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ
فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ
وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا
مَتَاعُ الْغُرُور).
لقد أنعم الله الغني علينا من نعمه ويحب أن يرى أثرها
علينا دون الغلو والإسراف في إظهارها كنوع من الحمد والشكر لهذه النعم، كما قال في
سورة الضحى -11- (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، فعندي قناعة عندما أشتري غرض معين أو أسافر إلى
وجهة ما رأيتها على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يعني هذا أنني أقلد أحداً أو أريد
أن أظهر بصورة لامعة عن نفسي أمام المحيطين بي. إنما هذا الشيء فعلاً أعجبني
واقتناءه يجلب لي المتعة والرضا عن ذاتي، ولن أخجل أبداً في عدم مجاراة أخر صيحات
الموضة المنتشرة على وسائل التواصل.
قال البديع في سورة آل عمران -14- (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ
ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ
وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلْأَنْعَٰمِ وَٱلْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ
ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسْنُ ٱلْمَـَٔابِ). وفي سورة الآنفال -28- (وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ
ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٌ)، فقد
خلق سبحانه كل ماعلى الأرض من خيرات ليتمتع بها بني آدم وتكون لهم زاداً ومتاعاً
للدار الآخرة، ولن تكون لهم فتنة تبتليهم في الحياة الدنيا.
ولاحظت أن وسائل التواصل الاجتماعي عزّزت عدة مفاهيم،
من بينها التفاخر والتقليد الأعمى والسعي وراء الكمال. فيسعى عدد منهم باستنزاف
طاقته في اقتناء الماديات والقيام بتنازلات عدة لتبقى صورته لامعة أمام أهله
وأصدقائه متأمل من ذلك الوصول إلى مرحلة الرفاهية والشعور بالسعادة. وينسى الكثير
بأن القناعة والرضا بما قسم الله لنا وجهان لحياة متوازنة وسعيدة (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ
لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) لقمان
-18-.
عندما أنشر صور أسفاري أو كرك الصباح مع كتابٍ أقرؤه،
كنوع من التعبير عن الامتنان والشكر للخالق الوهّاب بأنني عائشة حياة كريمة في بلد
آمن بين الأهل. وعبادة الحمد والشكر من أعظم الأسباب الحافظة والجالبة للنعم. (وَقَلِيلٌ
مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) سبأ
-13-. لدي ثوابت غير قابلة للتغيير والتنازل وعلى رأسها الدين والقيم والمبادئ،
وأرفض واستنكر أي أمر أو سلوك أراه منافياً للدين والمبادئ، وسأتنازل عن كل علاقة
ترهقني معنوياً ومادياً.
قد تم تخريب قُدرتنا على إدراك السعادة بسعينا للحصول
على المتعة النابع من ثقافتنا الاستهلاكية.
فلنسعى لرحلة تصحيح المفاهيم، حيث لا نصنف
الجميع تحت مسمى مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي. فلكل شخص مسمى على حسب رسالته
وطريقته في إيصاله لهذه الرسالة ومدى تأثيرها في متابعينه. فالمؤثر أو الإعلامي ذو
الرسالة الإيجابية هو من يستحق المتابعة عكس أولئك مهرجين وسائل التواصل الاجتماعي،
حيث قال رسول الله (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ). فيجب علينا تقنين استخدام هذه الوسائل والتطبيقات
والاستفادة منها بطريقة فعّالة في تطوير الذات واكتساب الخبرات والمهارات وتفريج كربة وتقديم يد العون.
آخر البيالة: هي القناعة فاحفظها تكن ملكًا .. لو لم تكن لك إلاّ راحة البدنِ .. وانظر لمن مَلَكَ الدنيا بأجمعها .. هل راح منها بغير القطن والكفنِ .. النفس تجزعُ أن تكون فقيرةً .. والفقرُ خيرٌ من غِنًى يُطغيها .. وغنى النفوس هو الكفاف فإنْ أبتْ .. فجميع ما في الأرض لا يكفيها .. لا تخضعنْ لمخلوقٍ على طمعٍ .. فإنَّ ذلك نقصٌ منك في الدين .. لن يقدر العبدُ أن يعطيك خردلةً .. إلاّ بإذن الذي سوَّاك من طينِ .. - أبو منصور الثعالبي