قال تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)
يا محمد لسوف يعطيك الله من فواضل نعمه في الآخرة حتى ترضى.
جاء في الأحاديث الصحيحة أن الله وعد رسوله ﷺ أن يرضيه في أمته، وذلك بأن يأذن له بالشفاعة لأمته حتى يقضي بينهم في الآخرة، وهو المقام المحمود الذي وعده الله به. ويعطيه في الجنة حتى يرضيه، وأهم عطاياه: نهر الكوثر، وأصل كلمة الكوثر يدل على الكثرة والزيادة، إشارة إلى كمال الخيرات التي ينعم الله تعالى بها على نبيه صلى الله وسلم في الدنيا والآخرة. إضافة إلى ألف ألف قصر، وفي كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم.
وبالرغم من أن هذه الآية لا تنطبق إلا على الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الإنسان خلق هلوعا، لا يشبع بالكثير ولا يقنع بالقليل. إذا مسه الخير منوعًا، وإذا مسه الشر جزوعًا. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثًا، ولا يملأ فمه إلا التراب". إلا أنني مؤمنة بأن القناعة كنز لا يفنى، خصوصاً وإن كانت القناعة بعطايا الله وكرمه. لأنها تجعلني أحب كل ما لدي وممتنة للأشياء المادية والمعنوية والتجارب الصغيرة والكبيرة في حياتي. وأن ما كتب الله لي خيراً كثيراً، إن تأخر فلحكمة، وإن لم يحصل فلرحمة منه. لأنه قال ﴿عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216]. اطمئننت وصبرت لأن الذي أرضى نبيه لقادر على أن يرضين. وتيقنت لو كانت الحياة إبرة لكن رزقي خيطاً يأتيني من ثقبها. وقرأت في كتابه أعظم آية (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)، إنه قيوم السموات والأرض ومابينهما فكيف لا يقوم بأمري، ويرضيني بما هو أكمل وأعظم وأنسب.
الآية جعلتني استيقظ لأحب جماليات حياتي البسيطة وتفاصيلها اليومية بحلوها ومرّها. الأمن والآمان في وطن بلا نزاعات أو حروب. دفء البيت الذي يحضنني مع عائلتي، والنقاشات والخلافات التي تدور بين الأخوة والآصدقاء على مائدة طعام. صحة البدن والعقل وسلامة الدين، فهي أجمل الأرزاق. فلم أعد استضيق من أمر هو مكتوب لأني أحسنت الظن بالله، والخيرة فيما اختاره الله.
تخير أوقات الإجابة وأقبل عليه واطرق بابه. ثق به ولا تستعجل، سيأتي بها الله وإن تأخرت. فرزقك المتأخر خير من أرزاقهم المتقدمة، فهو مدبر الأمر. قال رسول الله: [يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ]. وبما آننا مقبلون على شهر الرحمة والمغفرة، فلنكتفي بالله ونكثف الطَّلَبَ في الدعاء بصدق ويقين ولا نيأس من الإجابة. فإنَّ اللهَ تعالى يحِبُّ المداومة والإلحاحَ في الدُّعاءِ، وسيستجيب ما دمنا نؤمن بأنه سيستجيب، فأقدارنا تؤخذ من أفواهنا. واستشعر أن الله لن يلهمك الدعاء بشيء إلا لأنه يريد أن يعطيك ما تتمنى بإذنه فتفاءل بالخير تجده. والبرهان قوله تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
وإن أصعب عملية حسابية نقوم بها على الإطلاق هي حساب النعم التي وهبها الله إياها، (وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾. مالنا إلا حمده وشكره، فعبادة الحمد تُربي القلب وتهذب ردات الفعل تجاه مجريات الأمور، لتجد أن مرارة الشعور آصبحت برداً وسلاماً. وسنرى في الحمد والشكر زيادة في العطاء لأن الله المعطي وعدنا: ﴿لئن شكرتم لأزيدنكم﴾، وهو الغني بخيراته ونحن الفقراء إليه.
آخر البيالة:
سلاماً على من قرأ "يُدبِّرُ الأمر" فتركَ الأمرَ لصاحب الأمر
سلاماً على من قرأ "إنَّ مع العسر يسرا" فأيقنَ أن اليسر لا محالة آتٍ
سلاماً على من قرأ "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" فهدَّأ قلبه بسبحان الله والحمد لله
سلاماً على من قرأ "فما ظنكم برب العالمين" فقال خيراً يارب
اجعلها منهج حياتك، فالله لن يخيب ظنك فيه مهما حصل