التاريخ المتوقع للتقاعد: 21 سبتمبر 2039، بعد إتمام 37 سنة عمل في خدمة الوطن. مسيرة حافلة بالإنجازات وتمكنت من خلالها اكتساب الخبرات وتنمية المهارات العملية وتكوين شبكة من المعارف.
لاحظت في الآونة الأخيرة تذمر الكثير من الموظفين من العمل وتطلعهم للتقاعد. والسبب من ذلك الافتقار للرضا الوظيفي، عندما تُصبح الحياة الوظيفية فيلماً روتينياً بلا نهاية. قد تكون لديه نفس المهام اليومية التي لا تحفزه للابتكار والابداع وتحمل المسؤولية، ولا ترقى لطموحه ومستواه المهني، أو عدم تكليفه بأي مهمة على الإطلاق لانعدام الثقة والدعم المهني. والسبب الأخر الانهاك الوظيفي، المعاناة من كثرة المهام الوظيفية المكلفة وقلت الوقت. فبعض جهات العمل عبارة بيئة طاردة يُضطهد فيها الموظف المجتهد. فتولّد فينا أبشع الصفات، وتقتل فينا الطموح والاجتهاد، وعدم القدرة على تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والوظيفية. مما يؤدي إلى الشعور بالإرهاق جسدياً وعاطفياً، فينتج عنه العجز والفتور وانعدام الدافعية، مما يؤثر على كفاءة الانتاج وعدم الاهتمام.
قد يتقبل البعض هذه الظروف كما هي دون السعي لتغييرها، فيعتبر بطالة مقنعة. إلا أن هناك الكثير، كما فعلت أنا، العمل على تغيير هذه الظروف ومن أهمها تغيير بيئة العمل. فالنجاح في وظيفة أو مشروع أجد نفسي فيه واستمتع به ألذ طعماً من النجاح في وظيفة روتينية مرهقة فرضتها عليّ الظروف. لتتحقق لدي المعادلة السليمة في التوازن بين الحياة الشخصية والعملية.
على الرغم من وجود مبادرة التوطين (التقطير) للاستثمار في رأس المال البشري الوطني وتطويره، من خلال مجموعة متنوعة من البرامج التدريبية تتناسب مع متطلبات التنمية المهنية للشركة وللدولة، وتقديم الحوافز المناسبة أهمها الأمان والنمو الوظيفي وتحسين بيئة العمل. إلا أننا نرى الكثير من جهات العمل تسعى لوضع العراقيل أمام الكفاءات والخبرات الوطنية القادرة على العطاء والابداع والابتكار وترهقها بالعمل الروتيني فتقتل لديهم الطموح والشغف والانتاجية. وتعيين موظفين أجانب في المناصب القيادية بدل منهم، واقتصار الترقيات والتقييم الممتاز لفئة معينة دون غيرها.
إنني مؤمنة تماماً بأن الكوادر الوطنية قادرة على حمل المسؤولية والابداع في إنجاز مهامهم الوظيفية إذا تم توظيفها بالمكان المناسب وبالطريقة الصحيحة. والنضج الذي نحن به اليوم، حصاد تلك الأيام والتجارب التي ظننا أنها لن تمضي. فأتمنى من المؤسسات العمل على توطين الكوادر البشرية في الوظيفة المناسبة لمؤهلاتهم وتطويرهم.
بلا شك رحلة التقاعد ليست نهاية المطاف إنما بداية جميلة لتحقيق الكثير من الأهداف والمشاريع التي طالما تأجلت لضيق الوقت. بداية جديدة للقيام بالكثير بطريقة جديدة ومبتكرة قائمة على الخبرة والمعرفة. ابحثوا عما يبعث السرور والرضا في أنفسكم وحققوه بأريحية تامّة وبشغف كبير وبقناعة حقيقيّة. فحياتنا مليئة بالفرص للاستمتاع بالحياة بحلوها ومرها، فرص لإنجاز وتحقيق الأحلام والانجازات سواء كانت صغيرة أو عملاقة.
فالخبرات ثروة وطنية لا تتقاعد، واستثمار المُتقاعدين وتوظيف خبراتهم لتطور ونمو هذا الوطن. قال أمير الشعراء (كن رجلاً إذا أتوا من بعده يقولون مر وهذا الآثر). المهم في النهاية انك لا تتوقف عن التجديد في حياتك، وعن المساهمة الفعّالة في حياة المجتمع.
آخر البيالة: هناك ينبوع في داخلك، فلا تتجول بدلو فارغ. أينما زرعك الله فأزهر، لأنك مدين للدنيا بإبراز جانبك الرائع الذي أبقيته طويلاً في الظل ظنًا منك أنه يعنيك وحدك، وأن أثره لن يتعداك. لا تطفئ نفسك؛ فأنت شعلة ممتلئة بالمحبة والبهجة والأمل. والمساحة التي تشغلها ليست مرتبطة بحيز وجودك فقط، أعبر بأفعالك الآفاق وأنثر عبيرك في مجتمعك. فالحياة ليست بحثاً عن الذات، ولكنها رحلة لصنع الذات واخلق من نفسك شيئاً يصعب تقليده.