Monday, August 4, 2025

لا تلوح للمسافر


"السفر يجعلُ من المرء شخصًا متواضِعاً، حيث تُدرِك كَم ضئيل المكان الذي تشغله من العالمِ". جوستاف فلوبير

 

السفر بالنسبة لي سياحة في اكتشاف الذات، الاستجمام والترفيه عن النفس. استمتع من خلاله بإجازتي مع الأهل، وأقدّر ما أصبحت به من نضج وشغف وتجارب. أتطلع لسفر متنوع ممتع يشمل المعالم السياحية الشهيرة منها وغير المعروفة، اكتشاف الثقافات والعادات، الاستجمام على شواطئ البحار، التمتع بمشاهدة المناظر الطبيعية، رحلة تسوق وتجربة المطاعم والمقاهي. هي رحلة أقوم بها داخل نفسي، تهدف إلى تجديد روتين الحياة اليومي والترويح عن النفس، وإيجاد اهتمامات ومواهب وخبرات جديدة تُضاف إلى شخصيتي. رحلة لتقوية علاقتي مع أسرتي وأصدقائي والاشتياق لما هو في بداخلي.

مهما كان النمط أو الهدف من السفر، كل تذكرة سفر ما هي إلا ورقة يانصيب. حيث يمكن لرحلة أن تُثري حياتي، تمدّني بالشّجاعة اللازمة للمغامرة والاختلاط مع شعوب ولغات مختلفة واكتشاف ثقافات وأكلات جديدة. تجربة عاداتي اليومية بمنظور مختلف كما لو أني أجرِّبها للمرة الأولى. في بساطة التفاصيل الصغيرة التي تترك أثر أعمق في النفوس، مثل وجبة لذيذة من مطعم صغير أو أيس كريم مُنعش من كشك بسيط، أو لحظة ضياع في شارع ضيق (داعوس)، أو محادثة عشوائية مع شخص غريب أو سائق سيارة الأجرة.

الحياة قصيرة .. والعالم واسع .. عش حياتك بلا أعذار .. وسافر بلا ندم

لا نختلف على أن فصل الصيف (شهر يونيو إلى أغسطس) هو وقت الذروة السياحية، تأتي بعدها إجازة الشتاء (شهر ديسمبر ويناير). حيث تلعب السياحة الصيفية دوراً كبيراً في نمو الاقتصاد المحلي وتعزيز التنمية المستدامة ومصدر دخل في كثير من الدول من خلال الاستثمارات المحلية والأجنبية لتشييد المرافق المتنوعة وتطوير البنى التحتية وخلق فرص عمل في مختلف المجالات، كما تلعب السياحة في تحقيق التعاون الحضاري والتبادل الثقافي والفني الدولي وتنويع العروض والتجارب السياحية. ويساهم الإعلام السياحي دوراً فعّالاً في نقل تعزيز الوجهات السياحيّة وإبراز معالمها بما تحمله من تاريخ وموروث ثقافي وتراثي وديني وفني ورياضي ومرافق ترفيهية وعلاجية وغيرها. فتسعى العديد من الدول إلى الاستثمار التكنولوجي بالمنصات الإعلاميّة والاستعانة بالمؤثرين والممثلين في التغطيات الإعلامية والترويج السياحي.

وعندما يحين موسم العشق بين المسافر ووسيلة السفر، ليحدد وجهته في خريطة العالم ويشتري تذكرة سفر ويجهز حقيبته. ونصيحتي لكل مسافر: سافر بقلبك كحقيبة سفر، وافرد ذراعيك للرياح كأجنحة الطائرة وحلّق بين الشوارع الضيقة والحارات المتلاصقة. قف على خارطة المدينة واغمر حواسك في مسرّات الحياة. المدن الملهمة ذو الإطلالة اللامتناهية لا تغادر عينيك، وأحاديث شعبها تتردد في أذنيك، نكهاتها في لسانك، نسمة هوائها يداعب أنفك. ستظل هائماً في ذكريات الرحلة لسنوات.

على البال كل التفاصيل .. وأحلى التفاصيل على البال .. والحل والترحال .. والنار والهيل .. والقمرة اللي نورت ليل ورى ليل

عند السفر، احب السكن في بيوت الضيافة وفنادق البوتيكات. بيوت تتشبه بملامح مدنها وطبيعتها وتاريخها، خصوصاً التي فيها بلكون وحديقة صغيرة للاطلاع على طبيعة المكان والشوارع المكتظة بالمارين. تشرع نوافذها للنور وتشكل الظلال على أثاث البيت وبين زواياه. هادئة مستكينة مليئة بمشاعر البهجة والحفاوة والرحابة والترحاب. حلاوتها في بساطتها، تشرق الصالة بنور الصباح وتمسي غرفة الطعام بسكينة المغيب، وتتعطر بدفء وحب وسعادة العائلة. كما أحب أن أنوع من وسائل النقل والسفر بين المناطق لتشمل طائرة والقطار/المترو والسيارة والباخرة، حيث تعد وسيلة السفر مغامرة فريدة بحد ذاتها.


قد يختلف العديد معي في هذه النقطة لكن هل فكرّت أن تشد رحالك نحو الأزمان والحكايات لا البلدان والوجهات. تكتشف زمن جميل خالد وتستكين له، زمن الأصالة والأناقة المتوارثة التي لا تُملّ، والقدرة المستمرة على امتاع النفس وإشباع الفضول. فالإنسان مجموعة قصص وأزمنة وذكريات في روح واحدة. قال هنري ميللر (كاتب): الوجهة ليست مكاناً، بل طريقة جديدة لرؤية الأمور. بالنسبة لي أمتع وأجمل ترندات السفر تكمن في فضول الاكتشاف وحب التجربة واستجمام الحواس، وليس وجهات وقوائم الترند.

"السفر - يتركك بلا كلمات، ثم يحولك إلى راوٍ للقصص" – ابن بطوطة

لمّا أخطط لإجازتي وسفري مع عائلتي. أخطط لها بحب وبفن بما يتناسب مع احتياجاتنا ومقدرتنا المادية، وتلائم ميولنا واهتماماتنا. لتكون الإجازة راحة ومتعة (تغيير جو) وإعادة شحن الطاقات والعواطف. أبحث وأسأل عن الأماكن والمطاعم واستفيد من تجارب الأشخاص (سكان البلد أو السيّاح) في تكوين تجربة جمـيلة خاصة لعائلتي، نستمتع فيها أكثر بمليون مرة من اتباع المنهج الموّحد تم صياغته ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل المظاهر واتباع الترند والسعي وراء إعجاب المتابعين. وتكون أزياء ولوكّات السفر بسيطة ومريحة وساترة، تناسبني وتناسب قيمي وذوقي ولجو الدولة والجدول المخطط له.

نستمتع أنا وبنتي بالتصوير خلال الرحلة ابتداءً من واجهة مطار حمد الدولي، وممر السعادة (ممر الطائرة) ونختمها بمطار الدولة التي كنا فيها. نوثّق التجارب والمغامرات والأماكن والمطاعم لتكون ذكرى لإجازة جميلة استمتعنا فيها، ونبعثها للأهل والأصدقاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما أحب أن أترك تقييمي بالأماكن السياحية والمطاعم التي زرتها مصحوبة بالصور، سواء كانت التجربة ممتعة أو سيئة، ليستفيد منها غيري.

تخطيطي للسفر يسبق الرحلة بشهور، للاستفادة من خصومات وعروض الطيران وأماكن السكن وإجراءات الحصول على تأشيرة الفيزا. حيث تُعد إجراءات التأشيرة معاناة نؤرق المسافرين خصوصاً تأشيرة الشنغن وإجراءاتها المطوّلة والمعقدة. فالكثير منا اضطر إلى تغيير وجهته أو إلغاء سفره لعدم حصوله على موعد مع السفارة في الوقت المناسب أو عدم حصول أحد أفراد الأسرة والمرافقين لهم على التأشيرة، مما كبده عناء التخطيط والحجز والمتابعة والتكاليف.

أخر البيالة: سعادتنا لا تأتي من الرحلة ذاتها، بل من الترقّب قبلها. فكّر في مدى حماسك قبل السفر لوجهة جديدة وتجارب رائعة. فكرة الفضول والتخطيط بحد ذاتها تمنح يومك طاقة إيجابية وتبقيك متحمّسًا للحياة. التقط العديد من الصور توثّق ذكرياتك، تحفظ مشاعرك، وترسم ابتسامتك مع من تحب. تمّعن في كل لحظة واعتز بها، لأن حياتك لا تملك زر الإعادة.


No comments:

Post a Comment