وسط
الكتب أجلس سعيدة .. تحفني رائحة الأوراق والأغلفة .. وتوقظني استكانة
الكرك .. يمر
الوقت ولا أريده أن ينتهي .. أحتار بين قراءة
الكتب أو كتابتها .. فالكلمات هي الثياب التي ترتديها أفكارنا .. أناقة الكلام هي
ترجمة لأناقة الفكر ورقيّ الثقافة .. لا يهمني
المكان بقدر ما يهمني الكتاب الذي أقرأه وأبحر بين طياته عبر الزمان وخارج حدود المكان
وأعيش في مخيلة المؤلف .. "فالكتب هي السّفن
التي تمر عبر بحار الوقت العظمى." فرانسيس بيكون
إن أول كتاب قرأته كان بعنوان "Hannah's Gift: Lessons from a Life Fully Lived"، فتغيّرت حياتي كلها. كتبت ماريا هاوسن هذا الكتاب عن الرحلة التي خاضتها مع
ابنتها هانا وصراعها مع مرض السرطان. فكان الكتاب عبارة عن هدية هانا الثمينة والمليئة بالشجاعة والحكمة والنعمة والدموع والفرح.
بما أن الثقافة
والمعرفة ملك وحق للجميع، يتم في شهر مارس من كل عام الاحتفاء بالقراءة والإسهام في الحياة الثقافية عبر تنظيم فعاليات
ثقافية وأنشطة مجتمعية أهمها معارض الكتاب وأسبوع للقراءة بمختلف المدارس والمراكز
الشبابية لتعزّز ثقافة القراءة بين أفراد المجتمع خصوصاً لدى الأطفال وتزيد الوعي
بأهمية الاطلاع على الثقافات والأفكار الأخرى. فهناك نقلة نوعية في حملات ومبادرات القراءة
لتوائم النقلة النوعية في اتجاهات القراءة والاطلاع، نتج عنها وجود جيل قارئ ومبدع
قادر على تنمية ذائقته الفكرية.
فأكاديمية قطر- مشيرب وضعت برنامجاً كاملاً للقراءة على مدى هذا الشهر تضمن أنشطة وفعاليات متنوعة متعلقة بالقراءة منها أسبوعاً شعرياً حيث عبر الطلاب
عن مشاعرهم وحبهم للوطن والوالدين باللغتين العربية والإنجليزية. كما تم تنسيق زيارات عدد من المؤلفين القطريين أمثال الكاتبة العنود آل
ثاني والشاعرة حصة العوضي، ومؤلفين عرب وأجانب، حيث أمتعوا الطلاب بقراءة القصص
ومناقشتها، وقد قام الطلاب بارتداء زي مستوحى من بلد المؤلف أو من الكتب التي
ألّفها. واختتم البرنامج بمعرض للكتاب بمشاركة أكثر من دار نشر ومكتبة وتنوعت به
الكتب لتناسب فئاتهم العمرية المخلتفة. وباتت المدرسة أكثر وعياً
بأهمية القراءة، فاستبدلت الواجبات المنزلية التقليدية بحثّ الطلاب على قراءة
الكتب واستخلاص الفكرة والتعبير عنها بأسلوبهم الخاص.
وكانت لنا تجربة
جميلة مع مبادرة كتابي صديقي، الجهاز المخصص لبيع كتب وقصص الأطفال بأسعار رمزية،
في مركز السد لطوارئ الأطفال. لقد أسعدتني التجربة
جداً، وأتمنى أن يتم تعميمها في المراكز الصحية الأخرى والمجمعات التجارية
والحدائق العامة وغيرها. وهذا دليل على الاستفادة
من التقدم التكنولوجي في تحقيق نقلة نوعية في نشر المعارف وتيسير الوصول لجميع
أنواع الكتب.
فكم هو رائع أن
نشجع أبناءنا على القراءة وحب الاطلاع والمعرفة، ونعاونهم على كيفية انتقاء الكتب
المناسبة لعمرهم واهتماماتهم، وتنويع أنماط القراءة لديهم لتنمية ارتباطهم بالمعرفة
والهوية والعالم الذي يعيشون فيه. وأن نحرص على تخصيص الوقت
لقراءتها معهم ومناقشة فكرة القصة وأحداثها. فهذا الوقت المميز الذي
نقضيه معهم في القراءة يقوي العلاقة التي تجمعنا بهم، وينمي شخصيتهم والحصيلة
اللغوية وحب القراءة واكتساب مهارات التعبير عن الرأي
وملكات الخيال والفضول لمعرفة المزيد.
فمن ضمن الكتب
التي أحرص أن اقتنيها لأبنائي سلسلة القصص الشعبية المصوّرة التي تربط الأطفال
ببيئتهم المحلية، حيث تحوي على مفردات التراث الثقافي القطري لتعززّ العادات
الأصيلة والقيم المجتمعية. أما الصور والرسومات
فتعطي بُعداً بصرياً للكتاب، ما يسهم في تنمية خيالهم وحبهم للقراءة.
ومن الفعاليات
المتميزة: مبادرة أعد
الحياة لكتاب التي أطلقتها مركز فتيات الخور بالتعاون مع عدد من دور النشر المحلية. تضمنت المبادرة عدداً من الفعاليات والمسابقات تستهدف
إرساء أسس ثقافية راقية لقراءة وتعزيز قيمة الكتاب في المجتمع وتنمية الوعي بأهمية استغلال وقت الفراغ
وتغذية العقول بكتب ومؤلفات ذات قيمة.
وحملة إعادة
تدوير الكتاب، مبادرة متميزة تغرس حب التبادل وإعادة الاستفادة من الكتب غير
المرغوب فيها لنحفظ قيمته لتكون التجربة سبيلاً في إسعاد الآخرين وتنمي خيالهم. فأنا أحب أن أتبادل الكتب مع عشّاق القراءة وأقتني
تلك التي تحمل ملاحظات قارئها، سواء كان صديقاً أو غريباً، لأنها تبيّن تفاعل
القارئ بأحداث القصة.
أما مبادرة "مكتبتي أجمل" فقد سلطت الضوء على أهمية المكتبة المدرسية
والمنزلية على حدٍ سواء، والسعي على تجديدها بالكتب القيّمة من المكتبات العامة
ومعارض الكتب. فالكتب هي ثروة
العالم المخزونة وأفضل إرث للأجيال والأمم. كلّما قرأت أكثر تعلّمت أكثر، وكلّما تعلّمت
أكثر اكتشفت أماكن أكثر.
ومن الأنشطة
التفاعلية التي يستمتع بها الأطفال: المسرحيات المقتبسة من الكتب، الأعمال اليدوية ذات العلاقة بالكتاب مثل صنع
فواصل القراءة ورسم لوحات فنية، ولعبة تشكيل الكلمات والأحاجي، ومتاهة القصص هذا
إلى جانب ارتداء زي شخصيات ملهمة من القصص.
تجربتي الأولى في
زيارة مكتبة قطر الوطنية تخللتها مشاعر فرح وفخر بهذا الصرح الكبير، وسعيت للحصول
على عضويتها للاستفادة من خدماتها المتمثلة بمجموعة الكتب المتنوعة والمصادر
الإلكترونية والفعاليات والأنشطة المتعلقة بجميع مجالات الثقافة والفن والأدب.
فالمكتبة تعمل على تعزيز ثقافة التميز ودعم مجتمع قادر على الابتكار يطمح إلى تنمية
القدرات البشرية والمعرفية. كما تهدف لأن تكون منصة
تعليمية تُقام بها الحلقات النقاشية والندوات الثقافية وأن تكون مكاناً للقراءة
والدراسة وسرد القصص، وأن تكون ملتقى الحياة والترفيه في عالم المعرفة التي تراكمت
على مدى السنين من عدة ثقافات. فتتيح هذه الفعاليات فرصاً
متنوعة للتعلم المستمر وتطوير المهارات والقدرات الذاتية واكتساب الخبرات والسعي إلى تنمية مهارات الجيل الواعد في الكتابة وكيفية التعبير عن
أفكارهم، والتشجيع على التفكير
الإبداعي غير التقليدي من ورش عمل تفاعلية ومحاضرات تثقيفية وأفلام وثائقية. وتعد مرجعاً لتراث
وتاريخ قطر، واستكشاف دروب التاريخ والثقافة والجغرافيا في قطر على مر العصور.
قضيت وقتي في
أروقة الكتب إلا أنني أحسست بنوع من الضياع عندما أردت كتباً معينة لكتابة مقال
ولم أجدها، هل لأنني لم أتعمق بالبحث ولم يكن لدي الإلمام بكيفية البحث عن الكتب؟
ولقد اعجبتني
كثيراً المكتبة التراثية التي وفّرت مصادر تاريخية قيّمة وثرية عن قطر والمنطقة من
بينها كتابات الرحالة والمستكشفين، لزيادة الوعي بالتراث الوطني، ونشر وتعزيز رؤية
عالمية أعمق لتاريخ وثقافة قطر ومنطقة الخليج. والتوازن بين الحداثة والأصالة بما يعيد إنتاج التراث الماضي برؤية معاصرة.
فمنها تعرّفت عن عبد
الله بن حسين النعمة عميد الصحافة القطرية الذي أنشأ مكتبة العروبة عام 1955 كأول مكتبة في قطر لتوزيع الصحف والمجلات العربية والأجنبية، وسعيه إلى
إنشاء مطابع العروبة عام 1957 كأول مطبعة وإصدار أول
مجلة قطرية باسم مجلة العروبة.
والجدير بالذكر
أن لدينا عدداً كبيراً من المكتبات العامة كدار الكتب القطرية والتي تعد أول مكتبة
في قطر وأقدم مكتبة عامة في الخليج منذ عام 1962، مكتبة الخور العامة ومكتبة الشمال ومكتبة الخنساء كأول مكتبة نسائية عام 1981، مكتبة الريان ومكتبة الوكرة. فوجب على وزارة الثقافة
المحافظة عليهم كبنيان أثري ومنارة ثقافية، وعلى المكتبات السعي لمواكبة تحديات
المتغيرات الحديثة في إرساء مجتمع المعرفة وتعزيز ثقافة الاهتمام بالكتاب وتفعيل
المشاركة المجتمعية في نشر ثقافة القراءة عن طريق الارتقاء بمستوى خدماتها المقدمة
وتنمية مواردها لتواكب العصر الرقمي والربط بين جميع المكتبات. إضافة إلى إقامة الفعاليات والأنشطة الثقافية الدورية الموجهة لمختلف شرائح
المجتمع لتلبي احتياجاته.
وقد أسهم معرض الدوحة للكتاب في إثراء الحركة
الثقافية والأدبية وحركة التأليف والنشر في قطر، مما أكسبه ثقة كبيرة من دور نشر
ومكتبات إقليمية وعالمية، فسعت إلى المشاركة في المعرض وتقديم أحدث إصداراتها. كما استطاعت دور النشر
القطرية أن تعزز وجودها بتقديم كم هائل من الابداع القطري والعربي المتنوع مابين الفكر والأدب والشعر والتاريخ والعلوم والاقتصاد والسياسة والاصدارات
العالمية المترجمة، ودعم الكتاب والمبدعين القطريين
والعرب لتطوير تجاربهم وأعمالهم وتعزيز الابتكار والإبداع، والاستثمار في المعرفة وتنمية العنصر البشري
وتقديم إبداعته في مختلف المجالات بما يخدم الثقافة والمجتمع. لتبقى الدوحة دائماً وأبداً عاصمة الثقافة
العربية.
كما كان للفعاليات المصاحبة لمعرض الكتاب من
أنشطة ومحاضرات وندوات وفعاليات فكرية وأدبية وورش عمل متنوعة ومقاهي ثقافية
وتوقيع كتاب وأمسيات شعرية لنخبة من الشعراء القطريين والعرب وحضور المؤلفين
طوال أيام المعرض للقاء الجمهور ومناقشة إصداراتهم وتوقيعها دور كبير في إثراء المعرض، كما أضاف معرض
الفنانين تشكيليين والمصورين الفوتوغرافيين روحاً للمعرض، وتنوعت الأعمال في
مدارسها وأفكارها لتتناغم مع شعار المعرض "دوحة الفكر والوجدان"، وتعزز الفن التشكيلي كرافد من روافد الوجدان
الإنساني.
آخر البيالة: الكتب نوافذ تفتح على
العالم ولها القدرة على تغيير الحياة. فهي أعز أصدقائي، تجعلني أضحك وأبكي وتدفعني لأجد المعنى في الحياة.
No comments:
Post a Comment