ماأجمل
قطر بأرضها وشعبها، برقيّها وأخلاقها العالية، بماضيها وتراثها العريق، بحضارتها
وانجازاتها المزدهرة. في كل رحلة أقوم بها في ربوع الوطن، أتعرّف على مناطق ومعالم
سياحية جميلة لم أعلم بها من قبل أو لم تتسنى لي الفرصة لزيارتها. وكل رحلة تزيدني
فخراً وارتباطاً بالوطن.
استمتعت
كثيراً بمشاهدة الأفلام التي اشتركت في مسابقة «عدسة سياحية» بتنظيم من بيوت
الشباب القطرية. أفلام قُدِّمت من قبل شباب جامعي موهوب هوايته التصوير والإخراج.
أفلام ذات تصوير رائع وإخراج ومونتاج احترافي ومحتوى مشوّق عاد بنا إلى أيام
الماضي، تشجعنا على زيارة هذه المناطق واكتشافها.
هدفت
هذه المسابقة إلى تعزيز السياحة والتعريف بالمعالم السياحية والثقافية والمواقع
الأثرية في دولة قطر من جانب فني، وتشجع الشباب الموهوبين في تصوير وإخراج
الأفلام. وقد تم اختيار مواقع التصوير لتشمل قرية أم سوية، منطقة بروق، قرية
الجميل، قرية الغارية، قرية مروب، قلعة الركيات، قلعة الثغب، قلعة الكوت، موقع
عيال الذيب. وهي مواقع آثرية منسية أو غير معروفة، سعت جمعية البيوت القطرية إلى تعريف
الشعب القطري بها وغرس روح الاكتشاف وكسب المعلومات التاريخية والثقافية
والاستمتاع بها.
وهنا
يأتي دور متاحف قطر للسعي في ترميم وصيانة هذه القرى والمعالم التراثية والأثرية
وغيرها، باعتبارها موروثاً ثقافياً مشتركاً لكل الإنسانية، وإدراجها ضمن المواقع السياحية كواجهة تراثية لأنها تمثّل بيئة قطر
المعمارية القديمة في بساطتها وألفة مبانيها، حيث تعبّر عن ثقافة الدولة وأصالتها
وهويتها الحضارية، وتفعّل دورها الثقافي والحضاري في تاريخ قطر وتعزّز قيمة التراث
والهوية الوطنية. كما هو الحال مع قصر الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني التاريخي
الذي تم ترميمه ليصبح مركزاً لمتحف قطر الوطني الرئيسي ومعلماً تراثياً وطنياً
يحتفي بتاريخنا وتراثنا عبر إقامة فعاليات وبرامج تعليمية وثقافية حول تاريخ قطر.
وكذلك تم ترميم متاحف مشيرب التي تُجسد تاريخ أربعة
بيوت تراثية (بيت بن جلمود، بيت الشركة، بيت محمد بن جاسم، وبيت الرضواني) في حي
مشيرب التراثي وتحويلها لمتاحف تمزج بين رؤى الماضي وتقنيات الحاضر، وتعكس تاريخ
قطر العريق وتنشر رسالة تعليمية وتثقيفية لرموز معمارية قطرية متميزة تعكس جوانب
مهمة في التاريخ، وتسترجع نمط الحياة التقليدي القائم على التجارة والأخوّة وحسن
الجوار، وتوفّر ساحة ثقافية لتبادل الأفكار وإثراء الحوار حول الماضي والمستقبل.
وعلى
وزارة التربية والتعليم تنسيق زيارات مدرسية لهذه المواقع كجزء من منهج التاريخ
القطري، حيث أن رؤية التاريخ والتعرف على مفردات التراث القطري على أرض الواقع
يختلف كُليّاً عن سماع القصص والمعلومات في الفصول الدراسية. كما يمكن لتلفزيون
قطر أو قناة الريان الاستفادة منها كمواقع تصوير، وتفعيل دور شبكات الإعلام ووسائل
التواصل الإجتماعي للتعريف بهذه المناطق الأثرية والقلاع التاريخية. كما يمكن
تحويلها إلى مجالس شعبية أو أسواق شعبية، إضافة إلى إقامة الامسيات الثقافية
والفعاليات والمعارض الفنّية فيها.
ففي
الكويت قام محمد الحميدي، مصمم ديكور، باقتناء منزل قديم في منطقة دسمان، أحد
أحياء مدينة الكويت القديمة، أطلق عليه بيت السدره وذلك لوجود شجرة سدره عتيقه
يبلغ عمرها أكثر من 70 عاماً في وسط الحوش، وقام بتحويله لبازار لبيع التحف والأثاث
والأواني المنزليه التراثية المبتكرة بروح الحداثة والفن. وأطلق الحميدي على كل
غرفة في البيت إسماً تراثياً أصيلاً "عايشة،
هيا، نورة، حصة، هند، سهام". زيارتي لهذا البيت منحتني تجربة فريدة من نوعها،
وهي التسوق وسط ذكريات الآباء والأجداد والجلوس في الحوش لشرب الشاي والحنين للعب
وللحكايات التي كانت تسرد تحت شجرة السدرة.
أما
فريج (حي) بهبهباني الذي أنشئ عام 1940م، والمكون من عدد من الفلل المبنية من
القرميد مع سقوف خشبية، فقد جرى ترميمه واستثماره ليكون مركزاً لدعم المشاريع
الصغيرة والمواهب الشبابية الكويتية بكل نشاطاتها.
وهذه
بعض المعلومات عن القرى والقلاع التي تم اختيارها كمواقع تصوير:
فقرية
أم سوية تقع بمدينة الخور، تميزت بموقع جغرافي على منطقة سهلية منخفضة بها عيون
مائية تتجمع فيها الأمطار. وكانت مقصداً مهماً لسكان القرى المجاورة للتزود بالماء
والغذاء، في الوقت الذي كانت فيه مياه منطقة الخور المجاورة مياهاً مالحة نظراً
لقربها من شاطئ الخليج. تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن تاريخ تأسيس وبناء قرية
أم سوية يعود إلى عام 1959.
تشتهر
قرية الغارية الواقعة قبيل مدينة الشمال بشاطئها ومنتجعها. إلا أن الكثير لا يعرف
أن القرية تعد موقعاً أثرياً منذ 150 عاماً، سكانها من عائلة الكواري. أما مدرستها
فكان بها عيادة الصحة المدرسية التي تخدم المدارس القريبة منها. ويعد ميناءها من
أهم الموانئ القديمة التي ترسي بها سفن الغوص وصيد اللؤلؤ وسفن التجارة.
وقرية
العريش أو ماتعرف ببلدة الصيادين، من القرى الجميلة التي تتميز بموقعها الفريد في
شمال غرب قطر ونظافة شواطئها. وقرية الجميل الواقعة في الشمال الغربي من مدينة
بوظلوف وهي قرية صغيرة تراثية فيها عدد من المباني التقليدية المهمة، بما في ذلك
مسجد صغير لا يزال يحتفظ بمنارته سليمة.
تعد
مروب المستوطنة الإسلامية الكبيرة الوحيدة في قطر التي تعود إلى العصور العباسية،
وتضم ”قلعة مروب”، أقدم قلعة إسلامية تم اكتشافها في قطر، ونحو مائتي وحدة سكنية
شُيِّدت على شكل مجموعات، ومسجدين، كما كشفت الحفريات عن مجموعة من القبور منتشرة
حول البيوت.
أما
قلعة الثغب، فتقع شمال شرق قلعة الزبارة، مستطيلة الشكل ولها أربعة أبراج، ويعود
تاريخ بناء هذه القلعة إلى الفترة ما بين القرنين السابع عشر إلى التاسع عشر.
الثغب في اللغة ما بقي من ماء في بطن الوادي بعد انحسار السيل، وبموقع الثغب بئر.
تقع
قلعة أركيات في الشمال الغربي لقطر، يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، تمّ
ترميمها في عام 1988. وهي من القلاع الصحراوية التي كانت تتولى حماية القرية
ومصادر المياه الأساسيّة فيها. ويعنى إسم الركية إلى بئر للمياه العذبة والذي يقع
داخل القلعة نفسها. وبالموقع أطلال قرية مندثرة، وقد عثرت بعثة الحفر الأثري
القطرية بالقلعة على فلس نحاسي يعود إلى العصر العباسي، وهو ماساعد على تأريخ
القلعة.
وقلعة
الكوت، كتبت عنها في مقال "اكتشف قطر – اكتشف نفسك (قلعة الكوت)". بنيت
القلعة عام 1880م، اتخذت كمعسكر الأتراك لموقعها الاستراتيجي، ثم كمركزٍ
للشرطة، ومن ثم تحولت إلى سجن عام 1970. إلى أن حولتها وزارة الإعلام إلى مركز فني
وملتقى لكبار السن. وبدأت بعض الفرق المسرحية بتقديم عروض متنوعة في ساحتها. كما
استخدمها تلفزيون قطر لتصوير عدد من الأغاني التراثية في المناسبات الوطنية. وفي
عام 1985 تم تحويلها إلى متحف يعرض تاريخ قطر ومعرض فني، إلى أن تم تهميشها
وإغلاقها.
أخر البيالة:
لأجدادنا روح جميلة وقلوب نقية ومشاعر صادقة، تعكسها عيونهم ووجوههم
البشوشة المليئة بتجاعيد صنعتها الذكريات. كم اعشق مجلسهم، ودعواتهم الصادقه
النابعة من القلب. فلنجعل من خريف عمرهم ربيعاً لأرواحنا.
No comments:
Post a Comment