Sunday, May 24, 2020

تعرف عليه

بات حالنا هذا العام اعكتاف في المنزل، بعد ماكان رمضان يجمعنا وتتزين مجالسنا بالغبقات، وتسعد المساجد بأدعيتنا وقت التراويح، وتزخر موائد إفطار الصائم بخير أهل الكرم.

ولكي لانفقد روحانية هذا الشهر الفضيل ومن ضمن #فعاليات_الحجر_المنزلي، تواصلنا مع أهلنا من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حرصنا على الطاعات والعبادات كإقامة الصلاوات جماعة وحلقات الذكر والدروس من السيرة النبوية وقصص من القرآن، ومشاهدة البرامج الدينية.

هذا العام شدّني برنامجان على قناة اليوتيوب. أولهما برنامج #قدوة للداعية فهد الكندري. كم نحن بحاجة لمثل هذا البرنامج في هذا العصر لنتعرف على المصطفى ﷺ وأصله وصفاته وأخلاقه وسيرته النبوية. كيف كان يتصرف هو وأصحابه في مختلف المواقف من خلال قصص الآيات وأسباب نزولها من خلال مكان الحدث وتفاصيل القصة. وكيف نقتدي به في حياتنا اليومية بقدر حبنا له.

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴿٢١﴾
عشت من خلال البرنامج أجواء إيمانية عبر مواقف شخصية عاشها سيد المرسلين ﷺ وأهله وأصحابه، وأحداث وقعت في أماكن ومناطق تاريخية، وكيف أثرّت على عدد من المسلمين فقوّت من إيمانهم، وأثرت على غير المسلمين فدفعتهم لاعتناق الإسلام. تعرّفت من خلاله على العديد من الحكم والقيم والعبر منها ماكنت أجهله أو أغفل عنه.

لقد كان بشراً رسولاً، كان عابراً خاشعاً، خاتم الأنبياء والرسالات، خير داعي وخير معلم. اعتز وافتخر بالإسلام أكثر من اعتزازه وفخره بنسبه وأصله. لم يربط كرمه وسخيه بالصدقات بقلة المال أو كثرته. بالرغم من أن الله غفر له ماتقدم من ذنبه وماتأخر وانشغاله بدعوة الأمة والجهاد في سبيل الله، إلا أنه كان كثير الاستغفار في اليوم والليلة. مهما كانت الابتلائات ثقيلة وصعبة عليك فثق أن ابتلاءات نبي الرحمة كانت شديدةّ عليه، تحمل الأعباء وصبر على قومه حرصاً عليهم. فاستعرض سيرته تهون عليك ابتلائاتك وأعبائك.

وضع قواعد منهجية وأصول إيمانية أساسية تحفظ المجتمع من الهلاك. أهمها ماقاله النبي لصاحبه أبو بكر " لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا"التوبة ٤٠، دليل على كمال توكل النبي صلى الله عليه وسلم على ربه، وأنه معتمد عليه ومفوض إليه أمره، فأنزل الله سكينته عليه ليثبته ويطمئن قلبه ويؤيده ويحميه . فليكن قدوتك وتوكل على الله عز وجلّ وفوّض أمرك إليه.

السعي وليس النتيجة، فإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، فصحة الأعمال بالنيات ولا يشترط كمالها وحدوثها. وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، لا يحصل له من عمله إلا ما نواه به، فإن نوى خيراً حصل له خير، وإن نوى به شراً حصل له شر. نحن نحتاج لأن نتوكل على الله واللجوء إليه، كم جاء في سورة الفاتحة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، فلايصلح أي عمل دون التوكل والإخلاص، أحسن التوكل على الله، فعند الله حسن التدبير.

نحن قوم إذا ضاقت علينا الارض اتسعت لنا السماء، فلا تقنط من رحمة الله ولا تيأس من طلب العلم النافع والرزق الواسع والعمل الصالح، (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) سورة الكهف 46. واعلم أن أروع ما في السجود إنك تهمس في أذن الأرض فيسمعك من في السماء. فـكيف نيأس والله يقول: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) سورة ق 16، فأحسن الظن بالله.

امحها ياعلي، تجاوز عن الصغائر للحفاظ على المعاظم التي كانت تنتظر الأمة، وتحول بالمسار من الجدل والخلاف إلى الانشغال بالأعمال القويمة. فبلوغ الهدف أعظم وأهم من تصفية حسابات. كما تعد استراتيجية مهمة في المسامحة والاعتذار.

حلقة أثرت فيني كثيراً، عندما قابل هانية من بريطانيا وقالت له: إذا سألتني اليوم لما أنت مسلمة؟ سأجيب بإجابة واحدة وهي أنا بحاجة إلى الله عز وجل. حيث لم يعجبها من كانت كامرأة غير مسلمة كانت حياة صعبة بالرغم من أن كان لها كل الحرية دون قيود وضوابط. انجذبت إلى ماقاله الإسلام عن المرأة وكيف ان تشريعاته حفظت حقوقها، وتعامل النبي صلى الله وتعالى مع النساء. فتركت عائلتها ودينها وحياتها من أجل الله ومن أجل الجنة.

أما البرنامج الأخر الذي حرصت على متابعته منذ رمضان الماضي، برنامج تعّرف عليه للدكتورة مريم العويش، خواطر رمضانية تشرح معاني أسماء الله الحسنى في سبع دقائق فقط. البرنامج في موسمه الثاني ملىء بالمعاني والعبر تدعو إلى التأمل والتعرف على أسماء مدح وحمد وثناء وتمجيد الله وصفات كماله عز وجل، حيث لا يشبهه ولا يماثله فيها أحد. فالأسلوب الراقي والشرح المبسط جذبت أبنائي معي لمعرفة معاني أسماء رب العالمين، حيث تتخللها قصص شخصية واستدلالات من أيات الذكر الحكيم وسيرة الأنبياء والصحابة ومواضع هذه الأسماء في الكتاب والسنة وتختم بدعاء.

وتقع أهمية هذا البرنامج استشعار الله عز وجل في حياتنا عن طريق أسماءه الحسنى وتطبيقها علمياً، فكلما ازدادت معرفتنا بأسماء الله وصفاته، زادت من محبتنا له، وازداد إيماننا ويقيننا به وبعظمته، فتعيننا على عبادته وتوحيده، وتمنحنا الثقة والإطمئنان في قدرة الله في تدبير شئون حياتنا مهما صعُبت. أحاطك بالحاجات لتحيط نفسك بأسمائه، فلنختلق من صفات الله. 

فمن أسمائه السلام: أي سلم من النقائص. الله السلام هو مصدر الراحة والطمأنينة والحفظ من كل خوف. فلنأخذ سبل السلام من القرآن والسنة، لنحقق سبل التوازن والسلام والطمأنينه في قلوبنا وإيماننا، سبل السلام مع ذاتنا ومع الناس ومع الله ومع كل شيء. إنه المهيمن والمسيطر على كل شيء بعلمه وقدرته، فمن إسمه فلنتعلم كيف يهيمن القرآن على شخصيتنا وأخلاقنا ومامدى تأثير تعاليمه وأحكامه وشريعته على تفاصيل حياتنا. ومن أسمائه الله أكبر نقولها في كل صلاة، الله أكبر كبيراً من كل شيئ، الله أكبر من كل فتنة وهم، الله أكبر من مخاوفك التي تجتاحك، الله أكبر من كل رغباتك واهتماماتك، لتكبروا الله على ماهداكم.

قال تعالى في سورة فاطر (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) 15. الله غنيٌّ عنا، يغنينا بفضله وملكه ورحمته، فلا يأمركم بالعبادة لاحتياجه إليكم وإنما هو لإشفاقه عليكم وحباً لكم. اللهم اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عن حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، وارزقني غنى النفس.

(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (110) آل عمران. خصائص هذه الأمة في للدنيا والاخرة. كيف نكون قدوة إيجابية ونساهم في تنمية المجتمع نحو الأفضل عبر الأخلاق التي أقتبسناها من أسماء الله الحسنى والقيم النبيلة والتعامل الحسن للرسول، فليكن قدوة.

لكل حكاية ولكل إسم عبر ودروس مستفادة نتعلم منها كيف نتلذذ بالعبادة ونحقق التوكل ونتخلق بالصبر والإيثار. خواطر لامست القلوب وغذّت الأرواح ونمّت العقول بلغة بسيطة وأسلوب مبدع ومعلومات عميقة، سهلة الاستيعاب ومن شباب لاقوا القبول وحسن المتابعة. برامج ملهمة مفيدة نحن بأمس الحاجة لها في زمن ضوضاء البرامج، زمن السرعة في توالي الأيام والسنين.

أخر البيالة: لا تودع شهر رمضان بل خذه إلى باقي عامك، افسح له المجال ليحيا معك وتحيا به طوال العام. رمضان ليس شهراً بل أسلوب حياة، فالصوم لا ينتهي، والقرآن لا يُهجر، والذكر لا ينقطع. كن ربانياً ولا تكن رمضانياً، وتقرّب إلى الله بأنواع العبادات كما جاء في سورة الحجر: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) 99.

كل عام وأنتم بخير وتقبل الله صيامكم وقيامكم وصالح أعمالكم

No comments:

Post a Comment