أنا إمرأة مسلمة عربية أتابع صمود شعبٍ أبيّ معزول عن العالم، يقاومون الجيش المحتلّ بثبات ونضال وتضحية وبأبسط الأسلحة.
وأتساءلْ! كيف لهذه الحكاية بالذات أن تستمر لأكثر من سبعين سنة. وأقف عاجزةً أمام بسالة هذا الشعب وشجاعته وعزته وشهامته وصبره. وأتساءلْ؟ كيف يصمت العالم بحكوماته ومنظماته ويغض البصر عما يحدث. إنها مذبحة ترتكب أمام أعيننا وجريمة كبيرة ضد الإنسانية تحرّمها قوانين دولية. إنها حرب أسقطت لنا الأقنعة وأظهرت لنا حقيقة فشل المجتمع الدولي في تحمّل مسئولياته القانونية والأخلاقية، وتواطئه مع الجيش الاسرائيلي.
وتذكرت حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم ظاهرين على الحق، إلى أن تقوم الساعة).
إنني إنسانة أشعر بالاحباط والعجز، لا حول لي ولا قوة. القصفُ بعيد ولكن أشعرُ أنَّي مُصَابة. لكن لن أصمت وإيماني بالله قوي. أريد أن أساهم في نصرة إخواننا الفلسطينيين ضد العدوان. أريد أن أثابر بالجهاد، متنمية أن يكون صوتي وتفاعلي لنصرتهم ودعمهم. هم لا يملكون القوة لأنهم القوة ذاتها. أهتز من هول ما أرى والأرض من تحتي ثابتة، ويثبتون هم رغم هول ما يرون على أرض تهتز.
فهذه الحرب لن تنتهي بيوم وليلة. لن نكتفي ببيانات الاستنكار والتنديد. يجب اتخاذ إجراءات رادعة لوقفهم، إنها مهمة مشتركة بين الجميع تبدأ من القلب ثم الأسرة ثم المجتمع المحلي ثم العالم أجمع. لنظهر الحقيقة بأن الشعب الفلسطيني هو المظلوم في هذه القضية، لينتصر الحق ويزهق الباطل. لننقل صورة مايحدث في فلسطين للعالم ونسلط الضوء على انتهاكات الاحتلال التي تناقض وتنتهك جميع مواثيق السلام وحقوق الإنسان والطفولة. لن نستسلم لأن هذا مايريدونه، لن نجعل أمانيهم سهلة المنال وسنخيب مساعيهم. فالنصر قادم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
هناك دور للجميع لإحداث الفرق فزعة لنصرتهم والتخفيف من معاناتهم، لينتصر الحق وتتحقق العدالة الإنسانية. لنكن جسد واحد من الاسناد للمقاومة، لقول رسول الله: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). فسبل الجهاد متنوعة، قال صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
* جهاد الدعاء: فلنحيي شعيرة الدعاء واستغاثة الله السميع القريب. فللدعاء هيبه، وللمجاهد في دعائه ومناشدته ربَّه سند وقوة. والرسول القائد صلى الله عليه وسلم ابتهل إلى الله في غزوة الأحزاب: (اللهم مُنزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم). فالدعاء سيغير الأقدار بقوّته وتوسله للسميع. {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}. سيأتي بها الله وإن تأخرت. فلنتخير أوقات الإجابة ونقبل على الله ونطرق بابه. فما خاب من طرق باب السميع ويده فارغة إلا أن رجع ودعوته مستجابه.
ياسميع انقطعت السبل إلا إليك، اللهم إني استودعتك فلسطين وقدسها وأهلها، اللهم عليك بمن اعتدى عليهم اللهم إنا نسألك أن تدمر أعداءهم. ياسميع انقطعت السبل إلا إليك، اللهم استودعتك فلسطين وقدسها وأهلها، اللهم إني آعوذ بك من هذا العجز وأنا أرى إخواني وأنا لا أستطيع لا دفعاً ولا صرفاً.
* جهاد الكلمة: وسائل التواصل الاجتماعي منحت الأمة منصة للاشتعال في مواجهة العدوان اليهودي الممنهج ضد دولة وهوية وشعب. حيث تفوقت وسائل التواصل الاجتماعي على وسائل الإعلام التقليدية الواقعة تحت النفوذ اليهودي، واستطاعت أن تضع القضية الفلسطينية في مكانها الصحيح، وتنشر الحقائق كما تحدث دون تزييف. فليصل صوتنا للعالم من خلال هذه الوسائل وهذه المظاهرات احتجاجاً عما يقومون به. إننا هاهنا داعمون لأخواننا، تبعدنا المسافات لكن تجمعنا الإنسانية. المشاركة في المظاهرات السلمية ونقلها على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعليم الأبناء ماهي فلسطين وأن الكيان الإسرائيلي محتل.
* جهاد المال: لنمد لهم يد العون فنفع المال متنوع. يساهم في الإغاثات الإنسانية العاجلة، لتأمين المأوى والكسوة والرعاية الصحية والغذائية وتوفير الماء والكهرباء.
* جهاد الاستغناء: آي مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والشركات الداعمة للجيش الإسرائيلي. لنكن جزء فعّال في المجتمع لأن هناك بدائل أفضل. فالاستغناء آو المقاطعة ماهي إلا دعوة لتحرير الاقتصاد المحلي من الغرب والتحرر من المادة وإدمان الرفاهية. هي أسلوب حياة واستهلاك واعي، لدعم الاقتصاد المحلي والعربي وإعطاء الفرصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بدلاً من المنتجات الغربية والشركات الكبيرة. واعلم تمام المعرفة أن المقاطعة ولو لشركة واحدة أو اثنتين ستؤثر.
{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}
لقد وصانا الأمير الوالد الشيخ حمد آل ثاني: (أوصيكم بالثبات على الحق والاستقامة على طريقه مهما تبدلت الأيام والأحوال). بالثبات تتمسك الأمة بمبادئها النابعة من ديننا وعروبتنا وانتماءاتنا الإنسانية لنسير على دروب الصلاح والإصلاح.
وصدق الله العظيم إذ قال {وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسۡقَيۡنَٰهُم مَّآءً غَدَقٗا}. صدق رسوله الكريم إذ قال"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
فلسطين وقدسها ليست حرباً، إنما قضية أمة توحدها الإنسانية ولن يفرقها جنسية ولا دين ولا عرق. إنها فلسطين الشهيدة في جهادها الطويل من تضحية وفداء. فلسطين العربية ولن تفلح جهودهم في تهويد قدسها وطمس هويتها وتراثها الفلسطيني. سنحيا بعد كربتنا ربيعاً كأننا لم نذق بالأمس مراً. جهزوا أيها الفلسطينيين مفاتيحكم، ستحرر فلسطين. انتصرتم وستسكنون الدار وستزرعون الزيتون.
قال الله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ). و (نَصْرٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ). بالرغم من استمرار الظلم إلا آن نهايته محتومة، وان استمر المظلوم بالمقاومة فاعلم أن انتصاره محتوم.
آخر البيالة: تحولت فلسطين إلى مصدر للإلهام والإنسانية ورمز للتضحية والمقاومة. لقد دفعوا ثمناً مؤلماً، لأنهم غيروا العالم. شكراً غزة، جعلتيني أعيد تقييم حياتي واكتشف أن هناك آشياء ليست ذات قيمة حقيقية مقارنة بقيمة الإنسان الفلسطيني. شكراً فلسطين، علمتيني بأن أحترم النعم واحمد الله عليها.
وماكتبته يعبر عن رأيي ومشاعري. هذا قراري وجهادي الذي سيؤثر، وأتمنى إذا بيدي أكثر وأقوى أقدر أسويه. ولكم الحرية في قراراتكم ومشاعركم وجهادكم تجاه القضية، فنحن شعب واعي مخيّر وليس مسيّر.