Sunday, November 17, 2024

اكتشف قطر - نكشت في ربوعها

هلّ موسم الاستمتاع بالأجواء الشتوية في البر والروض والمناطق الساحلية واكتشاف قطر، واستعدادات المجتمع القطري لموسم التخييم. حيث تمثل الكشتة والعنن تقليداً سنوياً متوارثاً عبر الأجيال، ومقصداً ترفيهياً في فصلي الشتاء والربيع.

موسم العودة للطبيعة والاستمتاع بالهواء الطلق النقي وللتعرف أكثر على خيرات قطر. عودة جميلة لزمن البساطة الخالي من التعقيدات، ووسيلة فعّالة لتقوية الروابط الأسرية. ووسيلة رائعة في التربية وتنمية المهارات الاجتماعية والبدنية، لإشباع حب المغامرة والهوايات بعيداً عن الضوضاء وهموم العمل ومتطلبات التعليم ومشاكل الحياة اليومية.

اتعبنا ضجيج الحياة. فهي سباق لا ينتهي، لذا وجب التوقف قليلاً لالتقاط الأنفاس والاسترخاء والاستمتاع باللحظة.

من أفضل وأمتع النشاطات التي يمكن للعائلة القيام بها هي التخييم (العنة)، قضاء يوم ممتع في المحميات والمزارع، القيام برحلات الكشتة للروض والبراري للتفقع والطبخ عالحطب. فتناول الطعام جزء أساسي في الكشتات، هنا لا ترتبط بنوعية الطعام وكثرته بقدر ما ترتبط باليمعة والمكان الذي يجتمع حوله أفراد العائلة أو الأصدقاء.

أتذكر في الثمانينات والتسعينات، كنا نقضي الإجازات الأسبوعية في المزرعة أو الشاليه. وننطلق في رحلات برية عائلية لجمع الفقع واليراوة والحوة، نصل في بعض الرحلات إلى الزبارة وفويرط. كما كنا نسوق الدراجات النارية (البطابط) في مغامرات استكشافية ممتعة، ورحلات لصيد السمك والاستمتاع بالرياضات المائية المختلفة لساعات عديدة، والمشي على اليال لجمع القواقع وبناء القلاع. وننهي اليوم بالخيمة على ساحل بحر راس لفان، متجمعين حول النار لشوي الكستنا والفقع والطراثيث، ومن ثم لعب الورق أو الألعاب الجماعية. وإن كنا في المزرعة، كنا نقوم بإطعام الحيوانات وقطف المحاصيل الزراعية وجمع البيض والمشي على أنابيب مياه الري.



في السنوات القليلة الماضية، انضمت سيلين إلى قائمة الرحلات والمغامرات، نظراً لجمالها وطبيعتها الساحرة. حيث تم تصنيفها كمحمية طبيعية من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، للحفاظ على البيئة وحماية الحياة الفطرية. فتجربة التطعيس تجربة مثيرة سواء كانت بركوب الدراجات النارية أو الباص الأصفر العملاق، حتى التزحلق على الأقدام. وتجربة التحليق المظلي للاستمتاع بسحر الطبيعة وتضاريسها من مستويات مرتفعة.

وزيارتنا لمزرعة حينة سالمة كانت زيارة جميلة. تجددت فيها العافية من خلال قضاء يوم عائلي في مزرعة محلية تقليدية، تخللتها مبادرات تعليمية وورش عمل حرفية. وتميزت مائدة الغداء بالوصفات التقليدية المقدمة بطريقة مبتكرة، مباشرة من المزرعة إلى المائدة. وانتهت بجلسة هادئة مريحة حول شب الحطب مع استكانة الكرك والقهوة.


أما مزرعة سدرة الشمال وبفضل موقعها المميز ومعالمها الطبيعية الخلابة وفعالياتها المتجددة، شكلت وجهة سياحية مثالية استمتعنا فيها بتجربة تقليدية غنية وممتعة. تشمل المزرعة على متحف قطري ومعرض للسيارات القديمة سنحت لنا الفرصة لتذكر الماضي الجميل. وحديقة حيوانات صغيرة استطعنا من خلالها التفاعل مع الحيوانات وإطعامهم. وعدد من المطاعم والمقاهي المتنوعة. كما استمتعنا بقطف المحاصيل الزراعية، وزيارة السوق التابع للمزرعة

تعد مزرعة تربة موطناً للحياة البرية المحلية، ومجموعة واسعة ومتنوعة من النباتات الطبية والعطرية. تسعى لتعزيز الصحة والعافية من خلال مجموعة من الأنشطة والفعاليات ومنتجات طبيعية عضوية خالية من المواد الكيميائية تتميز بالجودة العالية وصديقة للبيئة، وتعزيز التنمية المستدامة عن طريق إعادة التدوير والحد من النفايات. كما سعت المزرعة منذ 8 سنوات، لتوطيد علاقات وثيقة مع أصحاب مشاريع صغيرة والشركات الناشئة والمبدعين الصغار لدعم وتشجيع هذه المشاريع وإبرازها للمجتمع المحلي من خلال سوق تربة، وكان لي شرف الانضمام لعائلة سوق تربة من خلال مشروعي المنزلي (كل ما للدونات).

نجحت جميع هذه المزارع وغيرها لترويج للسياحة الزراعية في قطر إضافة إلى إنتاج المحاصيل العضوية المتنوعة باستخدام تقنيات الزراعة المستدامة. ووجهات لتعزيز صحة وعافية المجتمع من خلال ارتباط الفرد بالطبيعة وبيئته المحلية، وتمكين الأفراد والعائلات من اتخاذ خيارات نمط حياة صحي ونشيط جسمياً ونفسياً.

مثل هذه الكشتات والمغامرات، تمنحنا الراحة النفسية خالية من التكلف. لذلك خططت مع أهلي مجموعة من الفعاليات والرحلات خلال أشهر الشتاء الجميلة. نحرص فيها التعاون في إقامة عدد من الأنشطة الترفيهية ذات قيم تربوية وصحية واجتماعية. تتيح لنا التعلم عن طريق الممارسة والعمل الجماعي، وتنمي فينا وفي أبنائنا مهارات القدرة الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية وخدمة الآخرين. أحفاد العائلة يتطلعون دائماً للأيام التي يقضونها في الشاليه أو البر. يقضون الساعات في ركوب الدراجات النارية والسباحة في البحر والقيام بالأنشطة البحرية المتنوعة. وأخص بالذكر حمد يعشق الصيد والطيارات. فهد مكانيكي، ورثها من والدي، ويستمتع بتصليح الدرجات النارية والبحرية.


وأفضل ما يعبر عن مشاعرهم وذكرياتهم وتطلعاتهم لهذه الرحلات ما كتبته ابنة أختي عايشة:

الشاليه هو المكان الذي نجتمع فيه جميعًا لإنشاء الذكريات ومشاركتها. إنه أكثر من مجرد منزل. إنه قلب عائلتنا. لقد نشأنا هنا، محاطين بالبحر وبعضنا البعض. كل يوم عبارة عن مغامرة – السباحة في البحر، أو السباق عبر الأمواج على الدراجات مائية (Jetski)، أو الخروج في رحلات بالقوارب (الطراد). في بعض الأحيان كنا نذهب للصيد مع بابا محمد وماما لطيفة على متن القارب الكبير، أو مع فهد في رحلات أصغر حيث كنا نغوص ونستكشف المياه والحيوانات البحرية. وفي أحيان أخرى، كان حمد يأخذنا إلى الصخور الضخمة القريبة، حيث كنا نصطاد السمك لساعات.


وفي فصل الشتاء، يصبح الشاليه أكثر راحة. كنا نجتمع حول النار، ونحمص الكستناء ونصنع السمورز ونشرب الشوكولاتة الساخنة. كان الكبار يلعبون لعبة الورق الشهيرة "الكوت"، وكانت صيحات الإثارة تملأ الأجواء، كنا إما نشاهدهم أو نلعب معهم. كان صباح يوم الجمعة مخصصًا للفطائر، ورائحتها الحلوة تدفعنا إلى النهوض من السرير. وعندما ينحسر الماء (جزر)، تظهر جزيرة صغيرة ممتدة، فنسارع جميعًا للمشي عليها، ونرش المياه على بعض ونجمع الأصداف والقواقع.



نستمتع كثيراً بلعب الغميضة مع جميع أبناء خالاتنا. ستمتد اللعبة لساعات حيث نختبئ في جميع أنحاء المنزل، داخل المنزل، أو حول الشاطئ، أو داخل السيارات، أو خلف البوابة، أو حتى في الكراج. تكمن الإثارة في العثور على الأشخاص جعلتنا نضحك طوال الوقت. الشاليه ليس مجرد مكان؛ إنه كنز من الذكريات. كل شروق وغروب شمس، كل ضحكة وكل مغامرة جعلتها جزءًا من هويتنا. إنه المكان الذي سنحبه دائمًا، إنها قصة لا تزال تُكتب.

مع كل الحب، عائشة الغيص



آخر البيالة: ماذا ستكون الحياة إذا لم تكن لدينا الشجاعة لمحاولة أي شيء؟ - فان جوخ

Monday, November 4, 2024

رحم الله راحلين طاب ذكرهم وحسن أثرهم

وصلني يوم الجمعة الماضي خبر وفاة صديقة لي. صدمني الخبر وألمني كثيراً، خصوصاً وأن تواصلها عبر الواتساب في السنوات الماضية معي قليل لظروف خاصة بها ولم ألتق بها منذ سنين.

ألمني الخبر لأنها ثاني صديقة توفاها الله خلال سنة، وكلاهما اختارا الابتعاد عن اللقاءات الاجتماعية في أضعف حالاتهم لخوض معاركهم الحياتية لوحدهم. كلتاهما خاضت قسوة المرض لوحدهما، وإحداهما خسارة الأم لوحدها.

المتاعب والمصاعب والمصائب جزء من حياة الانسان. والشيء الوحيد الذي سيختلف هو مدى رضا الإنسان، وصبره وقدرته على التكيف مع ظروف حياته المختلفة، وإلى من يلجأ إليه بعد الله المعين. وربي كريم بمنحي أهل وصديقات في كل مراحل حياتي. حبهم ورعايتهم واهتمامهم يفوق اتساع الكون. هم سندي الثابت وضلعي المعين على خوض الحياة إلى بر الأمان والسعادة والاطمئنان. هم أجنحتي، تنتشلني حين أسقط. هم الكتف الذي احتاجه للراحة من كل عناء. وهم اليد التي تدفعني لتحقيق أحلامي.

مرارة فقد شخص عزيز سواء كان أحد أفراد العائلة أو صديق واقعه صعب جداً. فما بالك أن يكون هذا الفقد من مرض لم تعلم عنه ولم تسنح لك الفرصة للقاء هذا الشخص. وتسألت مراراً هل أذنبت أنني جعلتهما يبتعدان ويحتفظان بخصوصيتهما؟ وترك المجال لهما التواصل متى ماسنحت لهما الفرصة أو الظروف وحتى النفسية!؟ أم كان من الواجب علي الإلحاح في اللقاء والاتصال وإعادة تعزيز الترابط الاجتماعي بيننا.

ما حدث كان منبه أيقظني على ما آل عليه حال الدنيا، وانشغالنا بحياتنا الخاصة عن حياتنا الاجتماعية. وخطر لي سؤال لماذا يختار بعض الأشخاص العزلة عن الناس والحياة الاجتماعية العامة التي آلفها من قبل والاكتفاء بذاته ودائرته الاجتماعية الخاصة. هل هو الخوف من نظرة الناس له، وعدم قدرته على التعامل مع الواقع. هل هو عدم الرضا عن النفس وعدم تقبلها بكل ما فيها من مزايا وعيوب، والخوف من التعبير عما فيه من مرض (نفسي أو جسدي) أو متاعب ومشاكل واجهها ولم يستطع حلها.

أنا أؤمن بمقولة ابن خلدون (إن الإنسان اجتماعي بطبعه). أي أن الانسان خلق للعيش في جماعة، مهما توفرت له سبل العزلة من راحة ورفاهية. فالعلاقات الاجتماعية تعيننا على مواجهة تحديات الحياة بثبات وصبر واجتيازها بسلام وآمان، وتعطي قيمة وسعادة لحياتنا اليومية. فأنا الإنسانة أعيش في مجتمع مترابط. مهما اختلفت الأدوار، أنا هنا للقيام بدور معين مهما صغر هذا الدور أو كبر. نصيحة: الحياة أقصر بكثير من أن نعزل أنفسنا عمن يكنون لنا الحب والاحترام، فلنحرص على التواصل معهم متى ماسمحت لنا الظروف. الحياة أجمل من أن نحبس فيها شعورًا صادقًا قد يتسبب بإسعاد أحدهم. لنعبّر عن تلك الأشواق التي تخالج قلوبنا ونتركها تصل لأهلها. ولنتواصل مع الأحباب، فالحياة تمضي بسرعة (بحلوها ومرها). ورغم اختلافاتنا، هناك من يتمنى رؤيتنا، ويخلق ألف سبب ليكون بصحبتنا.

آخر البيالة: رحم الله راحلين طاب ذكرهم وحسن أثرهم
يا رب أنر قبوراً احتضنت أحبتي، وأسعدهم في قبورهم آمنين ومطمئنين واجعلهم في نعيم دائم لا ينقطع.
يا رب وإن قصرت في الدعاء لهم فأنت ربهم لا تنساهم. اللهم ارحمهم واغفر لهم وأنزل عليهم الانس والنور والسرور.