Saturday, December 23, 2017

عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ



تغمرني مشاعر فخر واعتزاز، وأنا جالسة في زاويتي الهادئة ذات المنظر الخلاب والجو الرائع، وبيدي كتابٌ استمتع بقرائته مع بيالة الشاي. فقد بدأت علاقتي بالكتاب منذ ربع قرن، وكتابة المقالات منذ 15 سنة، عندما شجعتني عائلتي لقراءة الكتب لاكتساب اللغة وتنمية مهارات التعبير، لتتطور وتصبح عادة احرص على اشباعها. فنحن نقرأ لنرتقي بشخصيتنا وأفكارنا، ولنزيد من معارفنا بالعلوم والآداب والفنون والثقافات، ولنوسع دائرة المعارف والتواصل الإيجابي بالبشر أنفسهم.
جاءت زيارتي لمعرض الدوحة الدولي للكتاب بعد أن وعدت ابنتي شيخة للذهاب معاً وشراء الكتب، لأانني تخلفت عن إعطائها النقود لمعرض الكتاب المدرسي. فكم هو رائع أن نشجع أبنائنا على القراءة وحب الاطلاع والمعرفة منذ الصغر، ونعاونهم على كيفية انتقاء واختيار الكتب المناسبة لعمرهم واهتماماتهم، وتنويع أنماط القراءة لديهم لتنمية ارتباطهم بالتراث والهوية والعالم الذي يعيشون فيه. ونحرص على تخصيص الوقت لقراءتها معهم ومناقشتها، فهذا الوقت الذي نقضيه معهم في قراءة القصة المفضلة لديهم ومناقشتها، تزيد من الترابط الأسري، تنمي عندهم حب القراءة والحصيلة اللغوية، ويمتلكون من خلالها على أساسيات التعبير عن الرأي وكيفية كتابة القصة ومحاورها.
يقام المعرض تحت شعار مجتمعٌ واعٍ، حرص على إتاحة الفرصة لتلاقي الثقافات والتعريف بإبداعات الكتاب والأدباء والمثقفين، ودعا إلى حوار بين وجهات النظر حول مفهوم الوعي وما يتضمنه من معرفة وأفكار ووجهات نظر. ويسعى إلى نشر الثقافة والإبداع في اختيار كل ما هو نافع ومفيد لبناء الثقافة الوطنية القطرية.
حيث صاحب المعرض النسخة الثانية من ملتقى الشباب القطري وملتقى المؤلفين القطريين، وعدد من الأنشطة والفعاليات الثقافية والفكرية أهمها: "المنبر الفكري"، وهو سلسلة متميزة من اللقاءات الفكرية المعمقة، وأمسيات "ليالي القصيد" الشعرية المختارة قدمها مركز "ديوان العرب"، إلى جانب ورش العمل وحفلات تواقيع على أعمال المؤلفين القطريين من مختلف الجوانب الثقافية والمعرفية والأدبية، وعروض وفعاليات لأبنائنا الصغار مما يعكس تطور المشهد الثقافي على مختلف المستويات الإبداعية. ولتشكل هذه الفعاليات حصيلة فكرية وزاداً معرفياً لدى الشعب القطري، فهناك نقلة نوعية في اتجاهات القراءة والاطلاع بين جيل الواعد في قطر، فاستطاع أن يخلق جيلاً قارئاً ومبدعاً، وقام بتنمية قدرة الفرد على الاختيار وتنمية ذائقته الفكرية، وتبني حملات ومبادرات القراءة وتشجعيها.
فمن مبادرات القراءة التي نستمتع بالمشاركة في فعالياتها هي الحملة الوطنية للقراءة التي تبنتها مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع. أهمها شهر القراءة المقام في جميع فروع أكاديمية قطر، والحرص على مشاركة الأهالي في جلسات قراءة جماعية وتفاعلية في صفوف أبنائهم، كما يشجعون الطلاب على اختيار شخصيتهم المحببة في الكتب أو الكاتب الذي يحبون قراءة كتبه. كما أقامت المؤسسة في معرض الكتاب فعالية من منظور جديد، فكانت مغامرة البحث عن جزيرة المعرفة عن طريق قراءة القصص وحل الألغاز.

وأهم ما شدنا في معرض الكتاب مشاركة مسرح الدمى الذي نال شعبية الجمهور بشكل كبير. خصوصاً وأن العروض التي تم تقديمها ليس من أجل الترفيه، بل صمم ليمس حياة وشخصية الطفل بشكل مباشر، نظراً للقيمة التعليمية والتربوية والثقافية للمسرح. التقينا مع الفنان صلاح الملا مدير مركز شؤون المسرح، وسألتني ابنتي من هذا؟ قلت لها إنه ممثل مشهور وله مسلسلات ومسرحيات استمتعنا كثيراّ بمشاهدتها من الصغر. وهو الآن يسعى لتطوير العروض المسرحية بما يتناسب مع طبيعة مجتمعنا المحلي ومشاركة العروض المسرحية في الفعاليات المتنوعة والمقامة على مدار العام لتتحلى هذه العروض بصفة الاستمرارية، والخروج بالمسرح إلى خارج حدود الإطار التقليدي للمسرح. والجدير بالذكر أنه تم إنتاج وعرض أربع مسرحيات لمعرض الكتاب المسرحيات من إخراج وتقديم مجموعة من الشباب القطري والعربي.
كما تميز المعرض هذا العام بوجود أول دار نشر قطرية (دار روزا)، تسعى إلى إثراء المكتبة القطرية والعربية عبر تبني الفكر القطري المحلي، والحرص على المحتوى الأدبي الذي يعزز القيم، ويثري الثقافة العربية، واستقطاب ودعم المواهب القطرية بقرابة 22 كاتب قطري في مجالات الرواية والقصص والشعر والثقافة العامة. وإنشاء 5 دور نشر لتكون منصات لرعاية المبدعين القطريين ولتوزيع الأدب القطري، وخلق منافسة بين دور النشر الأخرى المرتقبة، سوف يصب في مصلحة المؤلفين والكُتاب والقراء.
وقد التقينا مع عدد من الكتاب القطريين، وتواصلت معهم عن تجربتهم مع الكتابة والمعرض بشكل عام. السيد عبدالرحمن العبيدلي، الإعلامي الذي حرصت على قراءة مقالاته منذ أربع سنوات ومتابعته على وسائل التواصل الاجتماعي. عاش أول تجربة متميزة مع دار روزا لإصدار كتاب بعنوان سطور في إصلاح النفس والمجتمع. وكاتب شاب مثله يسعى إلى استمرارية قراءة وتأليف الكتب والارتقاء بشعبيته لأسلوب شبابي معاصر. وفي إحدى مقالات العبيدلي، كتب عن ثقافة تطوير الذات والكيفية ومنها: قراءة الكتب عالم يجهله الكثير، وأسلوب حياة يتبعه المميزون، يعتبر الكتاب سحابه مليئة بالماء (المعلومات) وعقولنا البذرة التي تحتاج الماء (المعلومات)، فلنسقِ عقولَنا بالمعلومات. بادر بقراءة الكتب. اِبحث عن اهتمامك واقرأ كتاباً واحداً عنه، ستفاجأ بكمية المعلومات التي استفدتها. وستكون بداية التطوير لك. وحب القراءة من أبسط وأنفع طرق التطوير الذاتي. ولا تكسل إذا شعرت بالملل أو لم تستسغ كتاباً ما. قال المتنبي: "وخير جليس في الزمان كتاب" اجعل الكتاب صديقك الذي لا يتخلى عنك ويقف معك عند الحاجة. وقد حرصت بنتي غلا على أن يوقع لها نسخة من كتابه، وإنني لأتطلع لقراءته قريباً.
ولازلنا في جناح دار روزا إذ التقينا ببنت عمي (الله يرحمه) الفنانة التشكيلية لينا العالي، وكتابها كتاب ذو الأرجل والذي يعد التجربة الثانية للفنانة من سلسلة القصص الشعبية المصورة. ولكونها فنانة تشكيلية منذ الصغر، حرصت أن تكون رسومات الكتاب من ريشتها، حيث أن الصور والرسومات تقرّب القراء الصغار إلى عالم القراءة وتساهم في تنمية خيالهم. ولكونها أم لثلاثة أطفال، فحرصت أن تحتوي قصصها على قيم هامة للأطفال ومكتوبة بلغة مناسبة لفئة عمرية معينة. ونجد نحن الأمهات أن الساحة الثقافية بحاجة إلى مزيد من إصدارات الأطفال ذات المحتوى المناسب والمفيد في إثراء ثقافة الطفل وحصيلته اللغوية.
الكاتبة بثينة الجناحي، حلمت منذ طفولتها بإصدار كتاب، أمنت بأن الكتاب باق، فأصدرت كتابها تشكيل الهوية الوطنية في قطر والذي أتطلع لقراءته لأهميته في وقتنا الحالي. لأننا ننتمي لمجتمع له ماضي غني وحاضر محاصر ومستقبل مشرق. مجتمع زاهر بالثقافات التي شكلت هويتنا وعكست شخصيتنا. وبالرغم من اختلاف تاريخنا إلا أننا اجتمعنا مواطنين ومقيمين على هذا الوطن، يحتفي بعناصر تاريخية ورموز وطنية منوعه. توحدنا كنسيج واحد ضد التأثيرات الخارجية. ولهذا أعتز بكوني قطرية، وأعزز هذه الهوية في أبنائي، وأن تكون جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية، في المنزل والمدرسة. أن نفخر بانتمائنا وارتباطنا بالوطن لنرتقي به ويرتقي بنا، فاليوم الوطن يحتاج لنا أكثر من ذي قبل.
كما سعد أبنائي بلقاء الشاعر حمد البريدي والاستماع لعدد من أبياته الشعرية التي ألقاها بعفوية في جناح بلاتينيوم، والحصول على توقيعه. ورغم الحصار، اكتسب المعرض على مشاركات جديدة وكان الإقبال عليه أكبر من الأعوام السابقة. تنوعت فيه الكتب والروايات والندوات بشكل أفضل من الأعوام السابقة. وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في دعم المعرض وتعزيز دوره، كما شجعت الكاتب في نشر ثقافة القراءة والكتابة.
ونتطلع إلى زيارة مكتبة قطر الوطنية والتي تهدف إلى توفير خدماتها لتلبية احتياجات كل فئات المجتمع، وأهمها مكتبة للأطفال وقسمًا للألعاب إلى جانب عدد من الفعاليات والأنشطة المتعلقة بجميع مجالات الثقافة والفن والأدب التي تهم جميع فئات المجتمع، حيث تهدف لأن تكون ملتقى الحياة والترفيه في عالم المعرفة التي تراكمت على مدى السنين من عدة ثقافات.
وبعد كل هذا الحديث عن القراءة، والتي أخصص لها الوقت وأعدها سياحة للعقل وغذاء للروح ومتعة للنفس بعيداً عن ضغوطات الحياة، وجدت نفسي هاجرة للقرآن. كتاب الله الذي كانت أولى آياته المنزلة توجيهاً للإنسان إلى أن يقرأ باسم الله ﴿أقرأ باسم ربك﴾ وتبدأ بصفات الله التي بها الخلق (الذي خلق)، وتابعت السورة (إقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم)، والتي أبرزت حقيقة وأهمية التعليم المستمد من تعاليم القرآن الكريم بما يحتويه من قصص الأمم والأديان وأحكام الشريعة وعلوم الحياة وغيرها. تعليم الله للإنسان (بالقلم) لأن القلم كان وما يزال أوسع وأعمق أدوات التعليم أثراً في حياة الإنسان. فأعدت ترتيب أولوياتي في القراءة ليكون قراءة وتدبر القرآن وتفسيره على رأس القائمة.
أخر البيالة: "القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياه واحدة، لأنها تزيد هذه الحياة عمقاً، وإن كانت لاتطيلها بمقدار الحساب" عباس العقاد، والقراءة قد لا تجعل منك ثرياً، وإنما تثري حياتك بالمفيد.
وفي النهاية، أتطلع أنا وابني علي لنحكي لكم عن احتفال وطننا الغالي بيوم المؤسس.

Wednesday, December 6, 2017

اكتشف قطر – اكتشف نفسك (قلعة الكوت)


أعرفكم عن نفسي، إسمي عائشة العالي، زوجة وأم لثلاثة أبناء، غلا وشيخة وعلي. وجود عائلتي وأصدقائي في حياتي يعطيني سبباً لعيش يوماً جديداً مشرقاً، لابتسم واكتسب طاقة إيجابية لأنتج أفضل لبلدي، أنتظر صباحاً جديداً كل يوم لأعيش مع أبنائي طفولة أخرى، حيث أن لكل إبنٍ منهم القدرة على إضافة نكهة من المتعة والمرح بلمسة خاصة تميّزه عن الأخر. وبالرغم من أن قضاء الوقت معهم ومحادثتهم يحتاج إلى الصبر وضبط النفس في بعض الأحيان إلى أنه يسهم في تغيير المزاج وإسعاد النفس وتطوير الذات واكتساب مهارات وأفكار جديدة.

ولا يخفى على الجميع كم هو صعب أن نوفق بين متطلبات الحياة وقضاء الوقت مع الأسرة والاستمتاع به. فنحرص أن يكون هذا الوقت ذا جودة، يجمع بين التربية والتعليم والترفيه والاستجمام، حيث أن الجمع بين هذه العناصر من أهم الوسائل التربوية للطفل.

في ظل النهضة العمرانية الشاملة والواسعة التي تشهدها الدوحة، لا تزال المعالم الأثرية القطرية محافظة على وجودها تقاوم ببسالة رياح التطور والتغيير. فدولة قطر تزخر بتراث معماري عريق يعكس جانباً من تاريخها الحضاري، ونال هذا التراث اهتماماً من الدولة، فأنشأت هيئة متاحف قطر والتي بدورها وضعت خططاً تنموية لترميم وتطوير عدد من القلاع والحصون التاريخية المنتشرة في مختلف أنحاء قطر وحمايتها من تأثير العوامل الطبيعية وإدراجها ضمن السياحة الثقافية والتاريخية.

فذات سبتٍ مشمسٍ بارد، عزمت إبنتي غلا على الذهاب لرحلة للتعرف على قلعة الكوت أو ماتُعرف أيضاً بقلعة الدوحة، كجزء من مادة التراث القطري. فقضينا يوماً عائلياً ممتعاً في زيارة القلعة وسوق واقف. تعد من القلاع العسكرية القليلة المتبقية في مدينة الدوحة، وتقع على امتداد شارع جاسم بن محمد وغرب سوق واقف، مربعة الشكل مع ثلاثة أبراج دائرية وبرج مستطيل وأسوار بفتحات مزاغل مبنية على الطراز القطري. وللأسف كانت القلعة مغلقة ومهجورة دون سبب يذكر. كم تمنينا دخول القلعة والتعرف على تاريخها العريق وكيفية تطورها عبر الزمن. يجب تفعيل دور جميع القلاع الآثرية مثل ماقامت به هيئة المتاحف بقلعة الزبارة.
فحسب الروايات التي يتم تناقلها فقد بنيت القلعة عام 1880م، ويرجع استخدامها إلى عام 1906م، في عهد الحاكم الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني. اتخذت كمعسكر الأتراك لموقعها الاستراتيجي على مرتفع يطل على كل شواطئ الدوحة وأحيائها.

بعد أن غادرت الحامية التركية قطر، اتخذت القلعة كمركزٍ للشرطة ومراقبة أمن منطقة السوق، ومن ثم تحولت إلى سجن عام 1970 لقربه من مختلف الإدارات في الدولة في تلك الحقبة التاريخية في قطر. وقد اشتهرت القلعة بالدنكله، وهي عبارة عن خشبة طويلة تتوسط ساحة القلعة يكبل فيها المساجين بالسلاسل من أرجلهم. كما تميزت بساحتها الواسعة المظللة والمناسبة لاستقبال السجناء وتوفير متنفس لهم لقضاء أوقات الراحة خارج الزنزانة.

ومع التوسع العمراني أشرفت وزارة الإعلام على عملية ترميم سريعة للقلعة وتحويل بابها من الشرق إلى الغرب، وألحقتها بإدارة التراث لتحولها إلى مركز فني وملتقى لكبار السن. بدأ أهل البحر بالتوافد عليها بكثرة ويلتقون بذوي الخبرة يسترجعون ذكرياتهم ويتبادلون العلوم والأخبار حول مناحي الحياة المختلفة.


ومع تنامي الدور الثقافي للقلعة وازدهارها في تلك الفترة بدأت بعض الفرق المسرحية بتقديم عروض متنوعة في ساحتها الواسعة المظللة. كما استخدمها تلفزيون قطر لتصوير عدد من الأغاني التراثية في المناسبات الوطنية. ومنذ عام 1985 تم تحويلها إلى متحف يعرض تاريخ قطر العريق ويجسّد الحياة في الماضي، مشتملاً على الحرف الشعبية ومعروضات خاصة بالبدو وحرفهم التاريخية والجبس والزخارف الخشبية ومعدات الصيد والقوارب والصور القديمة. ومن ثم تحولت إلى معرض ضخم للوحات الفنية واستقطبت الفنانين التشكيليين القطريين.

وفي ظل إعادة تنظيم المنطقة المحيطة بها وتجديد المدينة وخصوصاً سوق واقف وظهوره بحلة جديدة مكّنته من استقطاب كل الاهتمام مما يجاوره من معالم، تعرضت قلعة الكوت إلى التهميش وعزوف الفنانين التشكيليين عنها بعد افتتاح عدد من المعارض الفنية في كتارا والمتاحف. وبالرغم من أن سعي هيئة متاحف قطرإلى حماية وتعزيز المواقع الأثرية حسب أعلى المعايير العالمية من أجل تثقيف المجتمع القطري، إلا أن قلعة الكوت بموقعها الفريد بحاجة لأن تضاف إلى قائمة المشاريع الحيوية والمتعلقة بالسياحة والبرامج المعرفية والتعليمية المتنوعة الموجهة للطلاب، وتلبية إحتياجات الأسرة القطرية في تشجيع التواصل والمشاركة بين الأجيال وتقوية التقارب الأسري.


أخر البيالة: كجزء من التقارب الأسري وتقوية العلاقة بين الأبناء والوالدين، وجب الحرص على توثيق هذه الرحلات والفعاليات والقصص من خلال المناقشة والكتابة والتصوير. لا نستهين بأفكار الأطفال وخيالهم الواسع. فالخيال والاستكشاف والمناقشة سبل تعين الطفل على التعلم اكتساب المهارات وتنميتها. فلنستمع لهم ونتحاور معهم، ولنسعى إلى تحويل أفكارهم إلى واقع. فلنمضي إلى رحلة استكشافية جديدة مقترحة من قبلهم.

فمقالنا القادم برعاية شيخة إلى رحلة إقرا مع معرض الدوحة الدولي للكتاب 28.

Monday, November 20, 2017

أكتشف قطر

مرحباً بفصل الشتاء، أهلاً بموسم التخييم (العنّة). هلّ موسم الاستمتاع بالأجواء الشتوية والخروج للكشته في البر والروض واكتشاف قطر.

بدأت منذ العام الماضي بأخذ رحلات برية مع أبنائي لزيارة المواقع الأثرية والسياحية في قطر، ووعدتهم بتكملتها هذا العام. هدفي تجديد ارتباطي بعائلتي وانتمائنا للوطن ولخلق ذكريات عائلية. هدفي خلق تجربة حية خارج مباني الدراسة واستكشاف المعلومة من خلال المغامرات الميدانية (كما يسميها أبنائي)، وتوسيع إدراكهم وحصيلتهم المعرفية.

وأولى جولاتنا كانت في منطقة فويرط، اسمها مأخوذ من كلمة فارط وهي تعني الجبل، حيث مررنا أولاً بالمدينة وبيوتها القديمة، ثم اتجهنا إلى الشاطئ لاكتشاف الأحافير الموجودة، والعوامل التي ساعدت على نحت جبل فويرط والتشكلات الصخرية. أسس المنطقة عائلة البوكوارة، وكانت لها مميزات استراتيجية باعتبارها مركزاً لسفن الغوص، كما ولد فيها الشيخ محمد بن ثاني، وتعد حالياً محمية طبيعية لموسم تعشيش السلاحف البحرية.

كما قمنا بزيارة قلعة الزبارة، الموقع القطري الأثري الأكبر والأشهر وسورها البديع، تعد مركزاً تعليمياً وثقافياً للزوار، يحتوي على معلومات قيّمه عن القلعة ومحيطها. واستمتعنا بخيمة الشعر وركوب الإبل.

وزرنا قلعة ام صلال محمد (برزان)، والتي شُيّدت بأمر من الشيخ محمد بن جاسم آل ثاني، مؤسس قرية أم صلال محمد، واتخذها مقراً سكنياً له. وكلمة برزان تعني المكان البارز المرتفع، ويتألف من ثلاثة مستويات ويعرف بشكله المميز 'T' الذي يتفرد به في منطقة الخليج. ونتمنى من هيئة متاحف قطر من الاهتمام بهذه القلعة باعتبارها من أبرز القلاع وأجملها ليس في قطر فقط بل في شبة الجزيرة العربية بأكملها وذلك لشموخ أبراجها وتصميمها الهندسي المتقن.

وقضينا وقتاً ممتعاً في حديقة الخور لمشاهدة الحيوانات، كمتنفس تعويضي عن حديقة الحيوان، والتي نأمل من هيئة الأشغال العامة بسرعة تنفيذ أعمال التطوير وإعادة افتتاحها أمام الزوار. إضافة إلى زيارة مزرعة بلدنا فخر المزارع القطرية والنموذج الحقيقي للطعم الطازج والتشكيلة المتنوعة من المنتجات الحيوانية، ومدينة أكوابارك الحديقة المائية بمعطياتها الترفيهية النوعية توفر مجموعة من التجارب المائية الفريدة تناسب جميع أفراد العائلة.

وسنتكمل هذه السنة رحلة اكتشاف قطر بزيارة مدينة الرويس وزكريت وأم باب، وقلعة الكوت. ونأمل بزيارة المزارع الأخرى والمحميات كمحمية الدوسري ومحمية الريم ومحمية الوسيل للتعرف أكثر على خيرات قطر وتاريخها العريق.

ويسعدني اهتمام وزارة البلدية والبيئة بتأهيل وتطوير الشواطئ القطرية العامة والحدائق العامة وتوفير الخدمات والمرافق المتنوعة بهم كإضافة نوعية لدعم السياحة الداخلية، باعتبارهم الوجهة المفضلة للرياضة والاستجمام والمتنفس الحيوي للعائلات. إضافة إلى وجود عدد من المنتجعات السياحية ذات الشواطئ المتميزة والتي تتمتع بوسائل الراحة والترفيه وخدمات متنوعة بحيث تتميز بعنصر التجديد والابتكار وتنمية فرص المنافسة. وتهدف هذه المشاريع السياحية، مثل منتجع سيلين وسميسمة والغارية وجزيرة البنانا وقريباً منتجع سلوى، للاستفادة من مقومات قطر وخصوصاً الشواطئ الرملية والتي تمتلك مواصفات جمالية هامة من شأنها أن تعزز السياحة بشكل كبير على المستوى المحلي والعالمي.



كم هو جميل إدراج المناسبات والفعاليات الدينية والوطنية والاجتماعية ضمن فعاليات المدارس المستقلة والخاصة حيث أستمتعت كثيراً بحضور عدد من هذه الأنشطة والفعاليات في مدارس أبنائي ومدى تفاعلهم. فبهذه الطريقة تسعى والارتكاز على ثقافة دينية ووطنية صحيحة قوامها المبادئ والمعايير التي رسمتها الخطط الوطنية، والحرص على الارتباط الوطني بين كل من يعيش في هذه البلد الطيبة. ويسعدني أن تكون هناك زيارات تفاعلية معززة لما يدرس في المناهج وأن يكون خلال هذه الزيارات فعاليات تكسب الطالب قيم دينية وتساهم في إحياء الموروث الثقافي والتراثي وغرس الهوية والقيم لربط الاجيال المعاصرة والقادمة بتراث الأجداد.

ومن أهم الفعاليات الوطنية التي نحرص على حضورها هي درب الساعي، والذي يقصد به الطريق الذي استخدمه المناديب الذين ائتمنهم المؤسس الشيخ جاسم آل ثاني على رسائله وتوجيهاته الداخلية والخارجية، وعلى النديب التحلي بمواصفات غير عادية لأداء هذه المهمة ومنها الشجاعة والصبر والقوة والقدرة على التعامل مع الظروف الشاقة في الصحراء وسرعة التحرك لإيصال الرسائل في الوقت المناسب، وكم هو جميل ما تحتويه من فعاليات كفنون العرضة والمراداة، وأصول المجلس القطري، وبيت القنّاص، والألعاب الشعبية، ركوب الخيل والإبل. إضافة إلى مشاركة المؤسسات الحكومية والخاصة في من خلال فعاليات وأنشطة تفاعلية ومسابقات متنوعة لنشر التوعية والتثقيف وتطوير المهارات الإبداعية، وغيرها الكثير.

كما أحرص مع أبنائي على زيارة المتاحف كالمتحف الإسلامي، ومتحف مشيرب، والمعارض الفنية والتصوير التي يقيمها الحي الثقافي كتارا ومطافئ الدوحة، إضافة إلى الفعاليات الثقافية مثل القراءة التي تقوم بها مؤسسة قطر. حيث تعد القراءة وسرد القصص (الحزاوي) سفر عبر المكان والزمان، وتنمية للخيال، ناقلةً مغزاها من جيل إلى أخر. ويمكننا من خلال التاريخ الشفهي أن نعيد إحياء التراث من خلال خلق الألوان والأصوات. قد قامت متاحف قطر بإطلاق مبادرة لتدوين التاريخ الشفهي للشعب القطري، وتقاليده وقصصه الشعبية. ومن شأن هذه المقاربة أن تساعد في إنشاء سجل أكثر دقة وتفصيلا عن الماضي، والحفاظ على هذه المعارف القيمة للأجيال القادمة بالإضافة إلى تكوين ثروة معرفية مشتركة مع المجتمع العالمي. ويضفي عمقاً على فهمنا للماضي، حيث تحملنا إلى ذكريات وشهادات فردية. فالتقاليد الشفهية هي في الواقع حكايات غير مكتوبة تتناقلها الأجيال، تقوم بإثراء معرفتنا من خلال جمع ودمج وإبراز كل من المواقع الأثرية والتراث الشعبي والقصص والتقاليد المحلية ووضعها في سياقاتها الثقافية والتاريخية والطبيعية الأوسع.

تشكل الألعاب الشعبية جزءاً مهماً من التراث الشعبي للمجتمع، التي تعبر عن خلاصة خبرة وسمات وخصائص حضارية مميزة تتناقلها الأجيال على مر العصور. وقد أجمع المتخصصون في التربية وعلم النفس على أهمية هذا الجزء من التراث وضرورته للحياة النفسية والوجدانية السليمة، هذا فضلاً عن فوائده الصحية والتربوية والتعليمية لمن يمارسونه من الصغار والكبار على حد سواء. حيث تعد من أفضل الطرق لقضاء الوقت الفراغ بمرح وسعادة وحرية انطلاق. ألعاب كانت تعلمنا مهارات التواصل الاجتماعي واللعب الجماعي والصبر، وتعتمد على المهارات الحركية والعقلية والتنافس الشريف والتي تهيئهم منذ نعومة أظافرهم على مهن المستقبل.

ونظراً للمكانة التي تتمتع بها دولة قطر كوجهة رائدة على الساحة العالمية في شتى المجالات، فإن ما نواجهه كمجتمع قطري إسلامي محافظ أكبر من مجرد احتشام واحترام العادات والتقاليد. فنحن في مواجهة دامية للحفاظ على الهوية الوطنية والعربية والإسلامية على كافة الأصعدة والمجالات.

"إذا كنت في قطر، فأنت واحد منا، اظهر احترامك وساعدنا على الحفاظ على الثقافة والقيم في قطر"، عبارة انتشرت كثيراً في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل حملة لحماية القيم الاجتماعية في البلاد واحترام العادات والتقاليد الوطنية. تهدف إلى تجميع أبناء المجتمع القطري من مواطنين ووافدين وسائحين وتثقيفهم بجمالية العادات والتقاليد والثقافة القطرية الأصيلة وتعزيز الاحتشام ومنع السلوك غير الاخلاقي في جميع الأماكن العامة، وتعزيز الاحترام المتبادل والتقارب والتلاحم بين الثقافات المختلفة.
أخر البيالة: عقليات قطرية واعدة تستمد من قائدها القوة، ومن ماضيها الثبات، وتتطلع لحاضر ومستقبل مشرق بالخير، قطر استثمرت في مواطنيها واليوم تجني الثمار في رقي فكر وشموخ أبنائها.


Saturday, July 22, 2017

لهم العالم ولنا تميم


شاهدنا الخطاب التاريخي الذي ألقاه سيدي صاحب السمو الشيخ تميم مساء الأمس، شاهدنا وقلوبنا مفعمة بالأمل خطاباً من أمير المجد لشعبه الوفي من مواطنين ومقيمين. خاطبنا تميم المجد بعقله ووجدانه فتأججت مشاعرنا حباً وترابطاً، وزادت أرواحنا وطنيةً وولاءً فجددنا له المبايعة على السمعة والطاعة، حنا جنودك يا تميم.

خطاب تميم المجد يمثلني ويمثل كل قطري ومقيم على هذه الأرض الكريمة. أنا قطري أنا تميم وافتخر بعزومي وبهمتي وأمجادي وأخلاقي. والدليل على ذلك انتشرت جداريات تميم المجد عفوية في كل أرجاء الدولة، وخرج لها المواطنين والمقيمين بمختلف أعمارهم ليعبروا عن ولائهم وتضامنهم. وتزينّا بالأعلام وصور الأمير، وتغنّينا بشيلات الوطن، ورسمنا بأناملنا لوحات وجداريات البسمة التي رسمتها دولة قطر أميراً وحكومةّ وشعباّ، بسمةً ملؤها الحلم والأمل والعطاء. بسمةً تضامن وتكاتف خيبت آمال كل من راهن على سقوطنا وتأثرنا بالأزمة.

في ظروف الأزمة التي يمر بها وطننا، خاطبنا الأمير خطاب العقل والوجدان، معرباً عن اعتزازه وفخره بأخلاق كل من يعيش على أرض الوطن وعزته وكرامته وشهامته وإنسانيته في مواجهة الأزمة وتبعاتها، فنحن شعب لا نزال راقين في تعاملنا، ثابتين على مبادئنا، شامخين في قيمنا. خطابه عبارة عن محاضرة أخلاقية وتثقيفية مدّتنا بالقوة والثبات في مواجهة الصعاب دفاعاً عن وطننا وسيادته، ومدتنا بالأمل لغدٍ مشرق ومستقبلٍ باهر.

#معاّ_لدعم_المنتجات_الوطنيه

كشفت لنا الأزمة مكامن قوتنا ووحدتنا وإرادتنا، وعلى ثبات اقتصادنا وقوته ومدى جدوى استثماراته المحلية والخارجية، فقد أدارت الحكومة بقيادتها ووزاراتها ومؤسساتها الأزمة بحكمة وكفاءة وقامت بتنويع مصادر الدخل والاستيراد لتوفير كافة احتياجات شعبها بحيث لم يشعروا بالفرق في حياتهم اليومية. وتعاملت مع الأوضاع بروية وعقلانية وتصميم، قادرة على تشييد صرح استقلالنا الاقتصادي وقامت بحماية أمننا الوطني بتعزيز علاقاتنا الثنائية مع الدول المجاورة على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

وقد ناشد أميرنا في خطابه بأن قطر بحاجة لكل مواطن ومقيم في بناء اقتصادها وحماية أمنها والاستمرار على نهج المبادئ والقيم وأعراف نراعيها حتى في زمن الخلاف والصراع. فنحن الآن في مرحلة تحقيق أهداف عملية وواقعية، أهداف تتسم بالإبداع والتفكير المستقل والمبادرات البنّاءة والاهتمام بالتحصيل العلمي في الاختصاصات كافة، والاعتماد على النفس ومحاربة الاتكالية، أهداف تعتمد على المثابرة والحماس والوعي والروح الوطنية التي أظهرها القطريون في هذه الأزمة.

فالأزمة أتاحت لنا فرصاً للتنمية والبناء وسدّ النواقص وتصحيح الأخطاء على نهج الحكمة «رب ضارة نافعة» والتي تتوافق مع الآية الكريمة (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) والآية الكريمة (وفي السماء رزقكم وما توعدون). فقد انتهج الشعب القطري والحكومة من قبله بدعم المنتجات الوطنية سواء كانت منتجات صناعية أو زراعية أو حيوانية، لما تتسم به من جودة عالية وسعر تنافسي، وتشجيعها لإنتاج المزيد لتحقيق الاكتفاء الذاتي بالإضافة إلى تطوير ساحات وآليات لتسويق المنتج محلياً وخارجياً وخدمة المستهلك، والسعي في المستقبل القريب إلى التصدير.

وأكبر مثالين لذلك هما ما تقوم به جمعية الميرة بجميع فروعها باعتبارها أكبر صالة تسويق للمنتجات الوطنية، والمزروعة لما توفره للمواطن والمقيم من تجربة ممتعة في التسوق في الهواء الطلق وبما توفره من منتجات وطنية طازجة ومتنوعة.

وعلى الرغم من الألم والمعاناة والمرارة التي سببتها الأزمة على المستوى السياسي والاجتماعي، أظهر لنا أميرنا الثقة في النفس وقمة الرقي والتواضع والاعتزاز بالشعب والتحلي بمكارم الأخلاق العربية الأصيلة، وفوق كل شيء لم ينسى أشقائنا الفلسطينيين وما يعانونه وأنه مستمر على نهج التضامن والوحدة والدعم اللامحدود.

أخر البيالة: تعلمنا منه الأخلاق فتعاملنا مع الأزمة بالعقل. تعلمنا منه الهدوء فصبرنا على الأزمة وتبعاتها. تعلمنا منه القوة فاتحدنا كلنا من صغيرنا إلى شيخنا. تعلمنا منه الحكمة فهزمناهم وكسبنا العالم.

فقطر اليوم أقوى، وشعبها أكثر وعياً وولاءً وتكاتفاً. وبالرغم من صغر حجمها، إلا أنها كبيرة بأفعالها ومواقفها وأخلاقها. وإن كان الوطن في عينهم أرض، إلا الوطن في قلوبنا شعب وأمير.

** اللوحات بريشة الفنانه لينا العالي