تغمرني مشاعر فخر واعتزاز، وأنا جالسة في زاويتي الهادئة ذات المنظر الخلاب والجو الرائع، وبيدي كتابٌ استمتع بقرائته مع بيالة الشاي. فقد بدأت علاقتي بالكتاب منذ ربع قرن، وكتابة المقالات منذ 15 سنة، عندما شجعتني عائلتي لقراءة الكتب لاكتساب اللغة وتنمية مهارات التعبير، لتتطور وتصبح عادة احرص على اشباعها. فنحن نقرأ لنرتقي بشخصيتنا وأفكارنا، ولنزيد من معارفنا بالعلوم والآداب والفنون والثقافات، ولنوسع دائرة المعارف والتواصل الإيجابي بالبشر أنفسهم.
جاءت
زيارتي لمعرض الدوحة الدولي للكتاب بعد أن وعدت ابنتي شيخة للذهاب معاً وشراء
الكتب، لأانني تخلفت عن إعطائها النقود لمعرض الكتاب المدرسي. فكم هو رائع أن نشجع
أبنائنا على القراءة وحب الاطلاع والمعرفة منذ الصغر، ونعاونهم على كيفية انتقاء واختيار الكتب
المناسبة لعمرهم واهتماماتهم، وتنويع أنماط القراءة لديهم لتنمية ارتباطهم بالتراث
والهوية والعالم الذي يعيشون فيه. ونحرص على تخصيص الوقت لقراءتها معهم ومناقشتها،
فهذا الوقت الذي نقضيه معهم في قراءة القصة المفضلة لديهم ومناقشتها، تزيد من
الترابط الأسري، تنمي عندهم حب القراءة والحصيلة اللغوية، ويمتلكون من خلالها على أساسيات
التعبير عن الرأي وكيفية كتابة القصة ومحاورها.
يقام المعرض تحت شعار مجتمعٌ
واعٍ، حرص على إتاحة الفرصة
لتلاقي الثقافات والتعريف بإبداعات الكتاب والأدباء والمثقفين،
ودعا إلى حوار بين وجهات النظر حول مفهوم الوعي وما يتضمنه من معرفة وأفكار ووجهات
نظر. ويسعى إلى نشر الثقافة والإبداع في اختيار كل ما هو نافع ومفيد لبناء الثقافة
الوطنية القطرية.
حيث صاحب
المعرض النسخة الثانية من ملتقى الشباب القطري وملتقى المؤلفين القطريين، وعدد من
الأنشطة والفعاليات الثقافية والفكرية أهمها: "المنبر الفكري"، وهو
سلسلة متميزة من اللقاءات الفكرية المعمقة، وأمسيات "ليالي القصيد"
الشعرية المختارة قدمها مركز "ديوان العرب"، إلى جانب ورش العمل وحفلات
تواقيع على أعمال المؤلفين القطريين من مختلف الجوانب
الثقافية والمعرفية والأدبية، وعروض وفعاليات لأبنائنا الصغار مما يعكس تطور المشهد الثقافي على مختلف المستويات
الإبداعية. ولتشكل هذه الفعاليات حصيلة فكرية وزاداً
معرفياً لدى الشعب القطري، فهناك نقلة نوعية في اتجاهات القراءة والاطلاع
بين جيل الواعد في قطر، فاستطاع أن يخلق جيلاً قارئاً
ومبدعاً، وقام بتنمية قدرة الفرد على الاختيار وتنمية ذائقته الفكرية، وتبني
حملات ومبادرات القراءة وتشجعيها.
فمن
مبادرات القراءة التي نستمتع بالمشاركة في فعالياتها هي الحملة الوطنية للقراءة
التي تبنتها مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع. أهمها شهر القراءة المقام
في جميع فروع أكاديمية قطر، والحرص على مشاركة الأهالي في جلسات قراءة جماعية
وتفاعلية في صفوف أبنائهم، كما يشجعون الطلاب على اختيار شخصيتهم المحببة في الكتب أو الكاتب
الذي يحبون قراءة كتبه. كما أقامت المؤسسة في معرض الكتاب فعالية من منظور جديد،
فكانت مغامرة البحث عن جزيرة المعرفة عن طريق قراءة القصص وحل الألغاز.
وأهم ما
شدنا في معرض الكتاب مشاركة مسرح الدمى الذي نال شعبية الجمهور بشكل كبير. خصوصاً
وأن العروض التي تم تقديمها ليس من
أجل الترفيه، بل صمم ليمس حياة وشخصية الطفل بشكل مباشر، نظراً للقيمة التعليمية والتربوية والثقافية
للمسرح. التقينا
مع الفنان صلاح الملا مدير مركز شؤون المسرح، وسألتني ابنتي من هذا؟ قلت لها إنه
ممثل مشهور وله مسلسلات ومسرحيات استمتعنا كثيراّ بمشاهدتها من الصغر. وهو الآن
يسعى لتطوير العروض المسرحية بما يتناسب مع طبيعة مجتمعنا المحلي ومشاركة العروض
المسرحية في الفعاليات المتنوعة والمقامة على مدار العام لتتحلى هذه العروض بصفة
الاستمرارية، والخروج بالمسرح إلى خارج حدود الإطار التقليدي للمسرح. والجدير
بالذكر أنه تم إنتاج وعرض أربع مسرحيات لمعرض الكتاب المسرحيات
من إخراج وتقديم مجموعة من الشباب القطري والعربي.
كما تميز المعرض هذا
العام بوجود أول دار نشر قطرية (دار روزا)، تسعى إلى إثراء المكتبة القطرية
والعربية عبر تبني الفكر القطري المحلي، والحرص على المحتوى الأدبي الذي يعزز
القيم، ويثري الثقافة العربية، واستقطاب ودعم المواهب القطرية بقرابة 22 كاتب قطري
في
مجالات الرواية والقصص والشعر والثقافة العامة. وإنشاء 5 دور نشر لتكون منصات
لرعاية المبدعين القطريين ولتوزيع الأدب القطري، وخلق منافسة بين دور
النشر الأخرى المرتقبة، سوف يصب في مصلحة المؤلفين والكُتاب والقراء.
وقد التقينا مع عدد من
الكتاب القطريين، وتواصلت معهم عن تجربتهم مع الكتابة والمعرض بشكل عام. السيد
عبدالرحمن العبيدلي، الإعلامي الذي حرصت على قراءة مقالاته منذ أربع سنوات
ومتابعته على وسائل التواصل الاجتماعي. عاش أول تجربة متميزة مع دار روزا لإصدار
كتاب بعنوان سطور في إصلاح النفس والمجتمع. وكاتب شاب مثله يسعى إلى استمرارية
قراءة وتأليف الكتب والارتقاء بشعبيته لأسلوب شبابي معاصر. وفي إحدى مقالات
العبيدلي، كتب عن ثقافة تطوير الذات والكيفية ومنها: قراءة الكتب عالم يجهله
الكثير، وأسلوب حياة يتبعه المميزون، يعتبر الكتاب سحابه مليئة بالماء (المعلومات)
وعقولنا البذرة التي تحتاج الماء (المعلومات)، فلنسقِ عقولَنا بالمعلومات. بادر
بقراءة الكتب. اِبحث عن اهتمامك واقرأ كتاباً واحداً عنه، ستفاجأ بكمية المعلومات
التي استفدتها. وستكون بداية التطوير لك. وحب القراءة من أبسط وأنفع طرق التطوير
الذاتي. ولا تكسل إذا شعرت بالملل أو لم تستسغ كتاباً ما. قال المتنبي: "وخير
جليس في الزمان كتاب" اجعل الكتاب صديقك الذي لا يتخلى عنك ويقف معك عند
الحاجة. وقد حرصت بنتي غلا على أن يوقع لها نسخة من كتابه، وإنني لأتطلع لقراءته
قريباً.
ولازلنا في جناح دار
روزا إذ التقينا ببنت عمي (الله يرحمه) الفنانة التشكيلية لينا العالي، وكتابها
كتاب ذو الأرجل والذي يعد التجربة الثانية للفنانة من سلسلة القصص الشعبية
المصورة. ولكونها فنانة تشكيلية منذ الصغر، حرصت أن تكون رسومات الكتاب من ريشتها،
حيث أن الصور والرسومات تقرّب القراء الصغار إلى عالم القراءة وتساهم في تنمية
خيالهم. ولكونها أم لثلاثة أطفال، فحرصت أن تحتوي قصصها على قيم هامة للأطفال
ومكتوبة بلغة مناسبة لفئة عمرية معينة. ونجد نحن الأمهات أن الساحة الثقافية بحاجة
إلى مزيد من إصدارات الأطفال ذات المحتوى المناسب والمفيد في إثراء ثقافة الطفل
وحصيلته اللغوية.
الكاتبة بثينة
الجناحي، حلمت منذ طفولتها بإصدار كتاب، أمنت بأن الكتاب باق، فأصدرت كتابها تشكيل
الهوية الوطنية في قطر والذي أتطلع لقراءته لأهميته في وقتنا الحالي. لأننا ننتمي
لمجتمع له ماضي غني وحاضر محاصر ومستقبل مشرق. مجتمع زاهر بالثقافات التي شكلت
هويتنا وعكست شخصيتنا. وبالرغم من اختلاف تاريخنا إلا أننا اجتمعنا مواطنين
ومقيمين على هذا الوطن، يحتفي بعناصر تاريخية ورموز وطنية منوعه. توحدنا كنسيج
واحد ضد التأثيرات الخارجية. ولهذا أعتز بكوني قطرية، وأعزز هذه الهوية في أبنائي،
وأن تكون جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية، في المنزل والمدرسة. أن نفخر
بانتمائنا وارتباطنا بالوطن لنرتقي به ويرتقي بنا، فاليوم الوطن يحتاج لنا أكثر من
ذي قبل.
كما سعد أبنائي بلقاء الشاعر حمد البريدي
والاستماع لعدد من أبياته الشعرية التي ألقاها بعفوية في جناح بلاتينيوم، والحصول
على توقيعه. ورغم الحصار، اكتسب المعرض على مشاركات جديدة وكان الإقبال عليه أكبر
من الأعوام السابقة. تنوعت فيه الكتب والروايات والندوات بشكل أفضل من الأعوام
السابقة. وساهمت وسائل التواصل
الاجتماعي في دعم المعرض وتعزيز دوره، كما شجعت الكاتب في نشر ثقافة القراءة
والكتابة.
ونتطلع إلى
زيارة مكتبة قطر الوطنية والتي تهدف إلى توفير خدماتها لتلبية احتياجات كل
فئات المجتمع، وأهمها مكتبة للأطفال وقسمًا للألعاب إلى
جانب عدد من الفعاليات والأنشطة المتعلقة بجميع مجالات الثقافة والفن والأدب التي
تهم جميع فئات المجتمع، حيث تهدف لأن تكون ملتقى الحياة والترفيه في عالم
المعرفة التي تراكمت على مدى السنين من عدة ثقافات.
وبعد
كل هذا الحديث عن القراءة، والتي أخصص لها الوقت وأعدها سياحة للعقل وغذاء للروح
ومتعة للنفس بعيداً عن ضغوطات الحياة، وجدت نفسي هاجرة للقرآن. كتاب الله الذي
كانت أولى آياته المنزلة توجيهاً للإنسان إلى أن يقرأ باسم الله ﴿أقرأ باسم ربك﴾
وتبدأ بصفات الله التي بها الخلق (الذي خلق)، وتابعت السورة (إقرأ وربك الأكرم،
الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم)،
والتي أبرزت حقيقة وأهمية التعليم المستمد من تعاليم القرآن الكريم بما يحتويه من
قصص الأمم والأديان وأحكام الشريعة وعلوم الحياة وغيرها. تعليم الله للإنسان
(بالقلم) لأن القلم كان وما يزال أوسع وأعمق أدوات التعليم أثراً في حياة الإنسان.
فأعدت ترتيب أولوياتي في القراءة ليكون قراءة وتدبر القرآن وتفسيره على رأس
القائمة.
أخر البيالة: "القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد
أكثر من حياه واحدة، لأنها تزيد هذه الحياة عمقاً، وإن كانت لاتطيلها بمقدار
الحساب" عباس العقاد، والقراءة قد لا تجعل منك ثرياً، وإنما تثري حياتك
بالمفيد.
وفي النهاية، أتطلع
أنا وابني علي لنحكي لكم عن احتفال وطننا الغالي بيوم المؤسس.
No comments:
Post a Comment