دائماً مايستمع أبنائي إلى أغنية حمود خضر:
كن فضولياً .. وأكثر السؤال
كن فضولياً .. وأطلقِ الخيال
كن فضولياً .. وأطلقِ الخيال
اسأل تفتح أبوابا .. اسأل وستجد جوابا .. أسرار الكون ستعرفها
ناقش واعرف أسبابا .. تلقى عجباً وعجابا .. نفسك بالعلمِ تُحرّرها
لماذا وكيف وماذا ؟؟ اشرح لي ذاك وهذا ؟؟ قُلْها للناس وكررها
وهذا ما طبقناه خلال
زيارتنا لمتحف قطر الوطني. فقد كان أبنائي فضوليين ومستكشفين، يسألون الأسئلة
ويبحثون عن المعلومة ويناقشونها. ابهرهم
المتحف بما فيه من مقتنيات تشمل التاريخ الطبيعي والبيولوجي والتاريخ الأثري والتراثي. ويسرد حكايات شعب قطر بأساليب
تكنولوجية مبتكرة وبتنويع المحتويات بين الأفلام التاريخية والصور الأرشيفية
والأعمال الفنية توثق تسلسل الأحداث والوقائع. فقد قدّم لهم المتحف تجربة تعليمية غامرة وبيئة تاريخية
مبتكرة تشجعهم على حب الاستطلاع والاكتشاف وتنمي فيهم الفضول العلمي والحس الإبداعي
وتفتح لهم آفاقاً واسعة في الخيال.
استمتعت غلا كثيراً في قسم البيئات الطبيعية والجيولوجية
الموجودة في صالة البدايات والحياة في قطر وتعرفت على الحيوانات البرية والبحرية.
وشدّ انتباهها العلم القطري المزخرف ببيت شعريّ للشيخ جاسم بن محمد آل ثاني، ومن
إبداع الفنان القطري علي حسن وبعنوان "حكمة أمة" والذي
كان باستقبالنا عند المدخل. إلى جانب تزيّن أروقة المتحف بمقتطفات من أشعار المؤسس نستلهم
منها القيم النبيلة التي تعكس منهاج حكومة قطر بقيادتها الرشيدة. كما شدّ انتباهها
العمل الفني "كان ياما كان" للفنانة بثينة المفتاح، الذي
يلقي الضوء على العلاقة بين المكان والزمان والصلة التي تربط المرأة القطرية
بالذهب. وقد قامت غلا بتصوير ماشاهدته وتعلمته لتعرضه على زميلاتها ومدرساتها العام
الدراسي المقبل، فطالما كان شغفها الرسم والتصوير.
أما شيخة، التي خاضت مع مدرستها تجربة "التاريخ
ممتع" في متاحف مشيرب، فقد استمتعت بقسم التاريخ والتراث القطري في التعرف
على الأدوات والمقتنيات الشعبية واستخداماتها والأزياء والمجوهرات التراثية. وأهمها
منحوتة "الوطن الأم" للفنان حسن آل ثاني، وهي عبارة عن
بطّولة بحجم عملاق تستقبل زائري المتحف من أمام صالات العرض الدائمة كما تستقبل
الأم أبنائها، وتعكس الارتباط العميق بتاريخ قطر وعاداتها وتقاليدها، وتبرز
العلاقة التي تربط بين الأرض ونساء قطر، وتبرز أهمية المرأة في بناء الوطن. وأبهرتها
الأفلام التي عرضت حياة البادية وحياة التجارة والأسواق ومجالس تجار اللؤلؤ.
وقد قامت شيخة بدور المرشدة السياحية وبيدها خريطة المتحف
ترشدنا عبر صالات العرض، فهي تعشق التمثيل وتجيد تقمّص الشخصيات وتقليد الأصوات.
حيث يسعى قسم التاريخ والتراث القطري لمد جسر يربط ماضي المجتمع وتاريخه العريق بحاضره
الثري المتنوع وانفتاحه على العالم.
واستمتع علي بالأنشطة والألعاب التفاعلية والمجسّمات التعليمية المنتشرة في كافة أرجاء المتحف، والتي تهدف إلى تشجيع الطفل على اكتشاف المعلومة والبحث عن أصلها وتاريخها وكيفية ارتباطها بالتاريخ والعلوم والتراث والفن. واستمتع بالأفلام التي تعرض مشاهد من البيئة البريّة والبحرية بحيواناتهاومشاهد من الفضاء على جدران المتحف.
واستمعتنا بجلسة عائلية جميلة بمقهى وردة الصحراء المطل على بحيرة المتحف، وتذوقنا أشهى الأطباق الخليجية من إبداع الشيف نوف المري. وكانت طاولتنا تطل على العمل الفني "ألفا" للفنان جان ميشيل، وهو عبارة عن 114 نافورة مستوحاة من جمال الحروف العربية والنباتات الصحراوية، وأشار علي لبعض الحروف التي استطاع أن يتعرف عليها.
وبالنسبة لي، فقد جئتُ إلى المتحف محملّة
بأحاسيس طفلة تتذكّر الرحلات المدرسية إلى المتحف. ذكريات المدخل الرئيسي ذو الباب
الخشبي الكبير إلى جانبه اسم متحف قطر
الوطني باللون الذهبي ومن أمامه مدفع قديم، والقسم البحري وفيه حوض السمك الكبير،
الكرة الأرضية، والقصة الخيالية لحورية في البحيرة بجانب المحامل التقليدية. وانبهرت
بالمتحف بحلّته الجديدة والطريقة المبتكرة في إحياء تاريخ وتراث قطر وثقافتها وحاضرها،
ومدى إلتزامه في إثراء حياة المجتمع. فهو يجسد اعتزازنا وفخرنا بهويتنا القطرية ويمثّل
ذكريات شعب وإرث للأجيال القادمة. أبناؤنا بحاجة للاطلاع على مقتنيات أباءنا
وأجدادنا وانجازاتهم التي ساهمت في بناء هذا الوطن، حتى يتمكنوا من تكملة المشوار
لبناء مستقبل قطر. وهذا ما تجلّى واضحاً في التحفة الفنية "راية العز" للفنان أحمد البحراني.
واستمعت كثيراً بحملة أصوات، المبادرة التي شارك فيها مجموعة
كبيرة من المواطنين والمقيمين يحكون فيها قصتهم وعلاقاتهم الشخصية مع المتحف،
فمنحتهم الفرصة ليكونوا جزءاً رئيسياً من قصة المتحف والمساهمة كشريك فعّال في التعريف
بالتنوع الذي يزخر به المجتمع القطري وتراثه الثري وثقافته الغنية وطموحه المتجدد
النابض الحياة. والأجمل إنشاء ثروة معرفية قيّمة تحت مسمّى (المرويات التاريخية
الشفهية) ووضعها في
سياقاتها الثقافية والتاريخية والتراثية وحفظها للأجيال القادمة. حيث وثّقت هذه
المرويات قصة حياة شخصيات قطرية رائدة
تمثل ذاكرة الوطن بكل مايحملونه من خبرات وتقاليد وثقافات تاريخية، عبّروا فيها عن
ذكرياتهم الشخصية وقصصهم التي تروي الأحداث والتطورات المجتمعية التي طرأت في فترة
نشأتهم في دولة قطر على مر السنين. تم عرض هذه الأفلام على جدران المتحف البانورامية
العملاقة فأصبحت هذه الجدران وكأنها صور متحركة بديعة نابضة بالحياة.
وفي ختام الرحلة نقف على أعتاب قصر (جلعة)
للشيخ عبد اللّه بن جاسم آل ثاني، ونرى اتحاد هذا الشق التراثي مع الشق المعاصر
للمتحف المتمثل في وردة الصحراء. حيث قامت هيئة المتاحف بترميم القصر الذي كان
منزل عائلة الشيخ عبدالله ومقر حكومته لمدة 25 عامًا، واستثمار قيمته التراثية
ليكون مركزاً للمعارض والندوات. وقد استمتع أبنائي في أخذ جولة في أروقة ومجالس
وغرف القصر وتخيّلوا حياتهم كيف ستغدو لو كان هذا منزلهم.
قال صاحب السمو الشيخ تميم آل ثاني في كلمته بمناسبة افتتاح المتحف:
"ليست المتاحف مخزناً للماضي، بل هي حاضرنا متجسداً في كيفية قراءة تاريخنا
ومكاننا ضمن الإنسانية عموماً". فقد بُنيَ متحف قطر الوطني كصرح حضاري ومعلم تراثي يعكس رؤية قطر التاريخية والثقافية خارج
الإطار التقليدي للمتاحف. ومنارة
ثقافية مهمة تسعى للارتقاء بالمكون المعرفي لدى أفراد المجتمع، تمنح
الزائر تجربة تفاعلية مدعومة بأفضل أساليب التكنولوجيا
لعرض التاريخ والفنون والتراث القطري الأصيل والحضارة
العربية والإسلامية.
كانت زيارتنا للمتحف
عبارة عن رحلة مثيرة في قطر من برّها الصحراوي وكثبانها الرملية إلى بحرها بشواطئه
الذهبية لاكتشاف سلسلة فريدة ومتنوعة من المخلوقات والبيئات الطبيعية والمواسم
المتغيرة. والتعرف على العلاقة المتناغمة بين الناس والحيوانات والجوانب المختلفة
من الحياة اليومية للسكان بعاداتهم وتقاليدهم المختلفة. قدّر لنا أن نعيش في بيئة
لها خصوصيتها، بيئة مزجت بين البر حياة البادية والبحر حياة الصيد والغوص والتجارة،
مما أوجد نمطاً خاصاً من الثقافة ذات قيم وعادات إنسانية وهوية جامعة بين الأصالة
والمعاصرة ومسيرة عطاء لا حدود لها.
وكم هو جميل أن نرى أعمال
فنية بأنامل وطنية وعالمية تزين واجهة متحف قطر الوطني
وساحاته. وقد استلهم كل فنان
أحداثًا تاريخية ومقتنيات تراثية وذكريات شخصية ليُقدم لنا إبداعاً يتوافق مع
مجموعة مقتنيات ومعروضات المتحف وتعزز رسالته. هذه الأعمال الفنية تنقل المتاحف من منظورها
التقليدي داخل جدرانها الأربعة إلى العالم الخارجي طمعاً في إنشاء ترابط تفاعلي
بين الفن والتاريخ والثقافة والمجتمع المحلي. وتهدف إلى دعم الفنان القطري
وتشجيعه على خلق إبداعاته الفنية وإبراز هويته القطرية للوصول للعالمية بتألق.
فالمتاحف مؤسسة تعليمية ثقافية متعددة المعارف والعلوم
والفنون، توفر منهج تعليمي متكامل ومتنوع ومساحات للتعلم والبحث للطلاب خارج
الفصول الدراسية.
وتعد منصة لبناء العلاقات الاجتماعية والمشاركة
المجتمعية، وتفتح آفاق الحوار والتبادل الثقافي بين الحضارات لتنوير العقول بماضي قطر
وحاضرها ومكانتها. كما يعزز المتحف روح الاستكشاف والارتباط بالعديد من المعالم
الهامة والمواقع الأثرية والتاريخية خارج جدران المتحف، مما يرسّخ مكانة قطر
الثقافية والسياحية.
ويُعد متحف قطر الوطني إضافة مهمة في سلسلة المتاحف
متعددة الأغراض والتي تتضمن متحف الفن الإسلامي ومتحف قطر الأولمبي ومتحف الفن
العربي الحديث ومتاحف مشيرب ومطافئ: مقر الفنانين. حيث توفر سلسلة المتاحف مساحة لنمو
قطاع الفنون والثقافة والتراث والرياضة، والتنافس في تقديم الإبداع في أبهى صوره.
أخر البيالة: ليس هناك حدود يقف عندها العقل سوى تلك التي اقتنعنا بوجودها، فالحدود
ماهي إلا عوائق تراها حين تصرف النظر عن هدفك. اطلقوا العنان لابداعاتكم وابداعات أبنائكم، لا تبنوا لقدراتكم
سقفاً يحدكم على التحليق في سماء الخيال. امنحوا أنفسكم الحرية في التعبير عن أنفسكم
وشخصيتكم، اغتنموا الفرصة لخوض التجارب التي تكشف لكم جوهر شخصيتكم.
No comments:
Post a Comment