﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾
لقد عانيت شخصياً بموضوع الالتزام بالوقت واحترام المواعيد مع الله ومع الناس. تعلمت من أحد الزملاء بالطريقة الصعبة احترام مواعيدي مع الناس. وخجلت من رب الناس، إذا نادى المنادي حي على الصلاة وأنا غارقة بأمور دنيوية لا تضاهي عظمة المنادي وعظمة عبادته التي ستكون أول ما سأحاسب عليه يوم القيامة. فاعجل لتلبية النداء حباً بالله وتقرباً منه وخجلاً.
فللوقت أهمية عظيمة في الإسلام، يظهر جلياً في قسم الله سبحانه وتعالى به في القرآن الكريم في مواضع عدّة، فأقسم بالليل والنهار والفجر والضحى والعصر. وربط العبادات بالوقت: أولها المواعيد اليومية وهي الصلوات الخمس، لقوله تعالى ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ و﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾. ومواعيد سنوية كالزكاة وصوم شهر رمضان، لقوله تعالى ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾. وموعد واحد بالعمر وهو الحج في الأشهر الحرم، لقوله تعالى ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ و ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾
فأخذتها قاعدة: انفصل لتصل، فإنك بين يدي السميع العليم. انفصل عن العالم واتصل بخالق الروح سبحانه وتعالى. اقبل إلى الله واخشع في صلاتك، واستشعر عظمته بقلبك وجوارحك. تأن واخلص في طاعته وعبادته وثق برحمته واطمئن. أيقن بأن لا أحد يقدر أن يغلق باباً فتحه الله لك، وردد دائماً ربي اختر لي ما تراه خيراً ليّ، فالخيرة فيما اخترته لي يا الله. ألم يقل رسول الله: (أرحنا بها يابلال)، فالصلاة تجدد صلتنا بالرحمن الرحيم، وتمدنا بتغذية روحية من مشاغل الدنيا، وتمنحنا السعادة والطمأنينة والراحة والصبر. قال تعالى: ﴿أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ﴾. أذكر نفسي دائماً بعدم الاستعجال في الصلاة، فكل ما أريد الحاق به وجميع ما أخشى فواته بيد من وقفت أمامه.
فقد تعلمت أن الصلاة أمر انضباطي، أي أن الوقت شرط لصحة الصلاة. فالانتظام على الصلاة في وقتها ينظم حياتي وييسر إدارة وقتي ويرتب أولوياتي لإنجاز أكبر قدر من الأهداف وبشكل متوازن. فاحترام المواعيد صفة الأنبياء والمرسلين، يظهر الاحترام والتقدير للذات والناس، ويحفظ الحقوق ويحقق المصالح. والدليل قوله تعالى في سورة المؤمنون: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾، ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾. اجعل أولوياتك تحدد يومك وليس العكس، فالتخطيط السليم في تحديد الأولويات اليومية يساعد على استغلال ساعات اليوم بطريقة أفضل في تحقيق أكبر قدر من الأهداف، ويساعدك على إدراك قيمة الحياة وقيمة الوقت بشكل أفضل، مما ينعكس بشكل أعمق عليك وعلى أسرتك ومجتمعك. هي محطة الراحة الربانية تعينك على وضع حدود وضوابط ترأف لحالك من الاحتراق الذاتي وتحقق لك التوازن والتركيز والتكيف مع المتغيرات.
اقم صلاتك تستقيم حياتك. عبادة ترتبط بحياة المسلم ومرآة عمله. هي سكينة للنفس واستقرارها، تنوّر العقل وتمحو الكسل والخمول، منشطة للجوارح ومزيحة للهموم والأحزان. إن حافظت عليها بأوقاتها وأقمت أركانها وضوابطها ستُحدث تغيراً فيك وفي سلوكك وخلقك وقوة تركيزك، وانضباطك على الصراط المستقيم، لتبدع في خلق الفرص، لتعطي كل ذي حق حقه لتنجح في أمور الدين والدنيا. ولها دور كبير في صلاح المجتمع ووحدته وثباته في المحن. والمسلم حين يؤدي الصلاة فإنه يقوم بتمارين تشمل جميع أعضاء البدن، فتكسب عضلات الجسم والمفاصل والعقل المرونة والقوة ليكمل يومه بنشاط. لقوله تعالى: قوله تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.
توضّأ بالمحبة قبل الماء، فإن الصلاة بقلب حاقد لا تجوز. - جلال الدين الرومي
آخر الاستكانة: لا تستهين بصلاتك أبداً. توضأ لها بهدوء، وتل الفاتحة ترتيلاً. أعط الركوع وقته، والسجود حقه. لِم العجلة وأنت بين يدي قاضي الحاجات. وتذكر أن ملايين الأموات في قبورهم لا أمنية لهم الآن إلا أن يقفوا موقفك ويسجدوا لله سجدة.
No comments:
Post a Comment